فهدم وَرفع الْبُنيان إِلَى الْحَد الْمُوَافق وَوضع السّقف على أرفع مِمَّا كَانَ وَذَلِكَ من أنقاض السّقف الْقَدِيم وَهَذَا هُوَ التَّمْيِيز بَين الضار والنافع فَمن زعم أَن لَا حسن وَلَا قبح فى الْأَعْمَال على الْإِطْلَاق فقد سلب نَفسه الْعقل بل عدهَا أَشد حمقا من النَّمْل
سبق لنا أَن وَاجِب الْوُجُود وَصِفَاته الكمالية تعرف بِالْعقلِ فَإِذا وصل مستدل ببرهان إِلَى إِثْبَات الْوَاجِب وَصِفَاته الْغَيْر السمعية وَلم تبلغه بذلك رِسَالَة كَمَا حصل لبَعض أَقوام من الْبشر ثمَّ انْتقل من النّظر فى ذَلِك وفى أطوار نَفسه إِلَى أَن مبدأ الْعقل فى الْإِنْسَان يبْقى بعد مَوته كَمَا وَقع لقوم آخَرين ثمَّ انْتقل من هَذَا مخطئا أَو مصيبا إِلَى أَن بَقَاء النَّفس البشرية بعد الْمَوْت يستدعى سَعَادَة لَهَا فِيهِ أَو شقاء ثمَّ قَالَ إِن سعادتها إِنَّمَا تكون بِمَعْرِفَة الله وبالفضائل وَإِنَّهَا إِنَّمَا تسْقط فى الشَّقَاء بِالْجَهْلِ بِاللَّه وبارتكاب الرذائل وَبنى على ذَلِك أَن من الْأَعْمَال مَا هُوَ نَافِع للنَّفس بعد الْمَوْت بتحصيل السَّعَادَة وَمِنْهَا مَا هُوَ ضار لَهَا بعده بإيقاعها فى الشَّقَاء فأى مَانع عقلى أَو شرعى يحظر عَلَيْهِ أَن يَقُول بعد ذَلِك بِحكم عقله إِن معرفَة الله وَاجِبَة وَإِن جَمِيع الْفَضَائِل وَمَا يتبعهَا من الْأَعْمَال مَفْرُوضَة وَأَن الرذائل وَمَا يكون عَنْهَا محظورة وَأَن يضع لذَلِك مَا يَشَاء من القوانين ليدعو بَقِيَّة الْبشر إِلَى الإعتقاد بِمثل مَا يعْتَقد وَإِلَى أَن يَأْخُذ من الْأَعْمَال بِمثل مَا أَخذ بِهِ حَيْثُ لم يُوجد شرع يُعَارضهُ
أما أَن يكون ذَلِك حَالا لعامة النَّاس يعلمُونَ بعقولهم أَن معرفَة الله وَاجِبَة وَأَن الْفَضَائِل منَاط السَّعَادَة فى الْحَيَاة الْأُخْرَى والرذائل مدَار الشَّقَاء فِيهَا فمما لَا يَسْتَطِيع عَاقل أَن يَقُول بِهِ والمشهود من حَال الْأُمَم كَافَّة يضلل الْقَائِل بِهِ فى رَأْيه
لَو كَانَت حاجات الْإِنْسَان ومخاوفه محدودة كَمَا هِيَ حاجات فيل أَو أَسد مثلا وَكَانَ مَا وهب لَهُ من الْفِكر وَاقِفًا عِنْد حد مَا إِلَيْهِ الْحَاجة لاهتدى إِلَى الْمَنَافِع واتقاء المضار على وَجه لَا يخْتَلف فِيهِ أَفْرَاده واسعدت حَيَاته وتخلص كل من شَرّ الآخر وَنَجَا بَقِيَّة الْحَيَوَانَات من غائلة الْجَمِيع
1 / 39