فَهَذِهِ الحكم الَّتِى نعرفها الْآن بِوَضْع كل شىء فى مَوْضِعه وإيتاء كل مُحْتَاج مَاله إِلَيْهِ الْحَاجة إِمَّا أَن تكون مَعْلُومَة لَهُ مُرَادة مَعَ الْفِعْل أم لَا لَا يُمكن القَوْل بالثانى وَإِلَّا لَكَانَ قولا بقصور الْعلم إِن لم تكن مَعْلُومَة أَو بالغفلة إِن لم تكن مُرَادة وَقد سبق تَحْقِيق أَن علمه وسع كل شىء واستحالة غيبه أثر من آثاره عَن إِرَادَته فَهُوَ يُرِيد الْفِعْل وَيُرِيد مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْحِكْمَة وَلَا معنى لهَذَا إِلَّا إِرَادَته للحكمة من حَيْثُ هى تَابِعَة للْفِعْل وَمن الْمحَال أَن تكون الْحِكْمَة غير مُرَادة بِالْفِعْلِ مَعَ الْعلم بارتباطها بِهِ فَيجب الِاعْتِقَاد بِأَن أَفعاله يَسْتَحِيل أَن تكون خَالِيَة من الْحِكْمَة وَبِأَن الْحِكْمَة يَسْتَحِيل أَن تكون غير مُرَادة إِذْ لَو صَحَّ توهم أَن مَا يَتَرَتَّب على الْفِعْل غير مُرَاد لم يعد ذَلِك من الْحِكْمَة كَمَا سبق
فوجوب الْحِكْمَة فى أَفعاله تَابع لوُجُوب الْكَمَال فى علمه وإرادته وَهُوَ مِمَّا لَا نزاع فِيهِ بَين جَمِيع المتخالفين وَهَكَذَا يُقَال فى وجوب تحقق مَا وعد وأوعد بِهِ فَإِنَّهُ تَابع لكَمَال علمه وإرادته وَصدقه وَهُوَ أصدق الْقَائِلين وَمَا جَاءَ فى الْكتاب أَو السّنة مِمَّا قد يُوهم خلاف ذَلِك يجب إرجاعه إِلَى بَقِيَّة الْآيَات وَسَائِر الْآثَار حَتَّى ينطبق الْجَمِيع على مَا هدت إِلَيْهِ البديهيات السَّابِق إيرادها وعَلى مَا يَلِيق بِكَمَال الله وَبَالغ حكمته وجليل عَظمته والآصل الذى يرجع إِلَيْهِ كل وَارِد فى هَذَا الْبَاب
قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إِن كُنَّا فاعلين بل نقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه فَإِذا هُوَ زاهق وَلكم الويل مِمَّا تصفون﴾
وَقَوله ﴿لاتخذناه﴾ من لدنا أى لصدر عَن ذاتنا المنفردة بالكمال الْمُطلق الذى لَا يشوبه نقص وَهُوَ محَال وَإِن فى قَوْله إِن كُنَّا فاعلين نَافِيَة وَهُوَ نتيجة الْقيَاس السَّابِق
بقى أَن الناظرين فى هَذِه الْحَقَائِق ينقسمون إِلَى قسمَيْنِ فَمنهمْ من يطْلب علمهَا لِأَنَّهُ شَهْوَة الْعقل وَفِيه لذته فَهَذَا الْقسم يُسمى الْمعَانى بأسمائها وَلَا يبالى جوز الشَّرْع إِطْلَاقهَا فى جَانب الله أم لم يجوز فيسمى الْحِكْمَة غَايَة وغرضا وَعلة
1 / 30