وَهُوَ أحكم الْحَاكِمين وأصدق الْقَائِلين جبرون الله وطهارة دينه أَعلَى وَأَرْفَع من هَذَا كُله
اتّفق الْجَمِيع على أَن أَفعاله تَعَالَى لَا تَخْلُو من حِكْمَة وَصرح الغلاة والمقصرون جَمِيعًا بِأَنَّهُ تَعَالَى منزه عَن الْعَبَث فى أَفعاله وَالْكذب فى أَقْوَاله ثمَّ بعد هَذَا أخذُوا يتنابذون بالألفاظ ويتمارون فى الأوضاع وَلَا يدرى إِلَى أى غَايَة يقصدون فلنأخذ مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ ولنرد إِلَى حَقِيقَة وَاحِدَة مَا اخْتلفُوا فِيهِ
حِكْمَة كل عمل مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مِمَّا يحْتَفظ نظاما أَو يدْفع فَسَادًا خَاصّا كَانَ أَو عَاما لَو كشف لِلْعَقْلِ من أى وَجه لعقله وَحكم بأى الْعَمَل لم يكن عَبَثا وَلَعِبًا وَمن يزْعم للحكمة معنى لَا يرجع إِلَى هَذَا حاكمناه إِلَى أوضاع اللُّغَة وبداهة الْعقل لَا يُسمى مَا يَتَرَتَّب على الْعَمَل حِكْمَة وَلَا يتَمَثَّل عِنْد الْعقل بمثالها إِلَّا إِذا كَانَ مَا يتبع الْعَمَل مرَادا لفَاعِله بِالْفِعْلِ وَإِلَّا لعدم النَّائِم حكيما فِيمَا لَو صدرت عَنهُ حَرَكَة فى نَومه قتلت عقربا كَاد يلسع طفْلا أَو دفعت صَبيا عَن حُفْرَة كَاد يسْقط فِيهَا بل لوسم بالحكمة كثير من العجماوات إِذا استتبعت حركاتها بعض الْمَنَافِع الْخَاصَّة أَو الْعَامَّة والبداهة تأباه
من الْقَوَاعِد الصَّحِيحَة الْمسلمَة عِنْد جَمِيع الْعُقَلَاء أَن أَفعَال الْعَاقِل تصان عَن الْعَبَث وَلَا يُرِيدُونَ من الْعَاقِل إِلَّا الْعَالم بِمَا يصدر عَنهُ بإرادته ويريدون من صونها عَن الْبَعْث أَنَّهَا لَا تصدر إِلَّا لأمر يَتَرَتَّب عَلَيْهَا يكون غَايَة لَهَا وَإِن كَانَ هَذَا الْعَاقِل الْحَادِث فَمَا ظَنك بمصدر كل عقلى ومنتهى الْكَمَال فى الْعلم وَالْحكم هَذِه كلهَا مسلمات لَا يُنَازع فِيهَا أحد
صنع الله الذى أتقن كل شىء وَأحسن خلقه مشحون بضروب الحكم فَفِيهِ مَا قَامَت بِهِ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وَحفظ بِهِ نظام الْكَوْن بأسره وَمَا صانه عَن الْفساد الذى يفضى بِهِ إِلَى الْعَدَم وَفِيه مَا استقامت بِهِ مصلحَة كل مَوْجُود على حَدثهُ خُصُوصا مَا هُوَ من الموجودات الْحَيَّة كالنبات وَالْحَيَوَان وَلَوْلَا هَذِه الْبَدَائِع من الحكم مَا تيَسّر لنا الِاسْتِدْلَال على علمه
1 / 29