كلمة المترجم
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وإمام المتقين، قائد الغر المحجلين، محمد وآله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، من الأئمة المهديين، والدعاة المصلحين، المجددين لهذا الدين، الذين لم يزالوا ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، جزاهم اللَّه عن الإسلام والمسلمين، أفضل ما جزى العلماء الراسخين، النائبين عن الأنبياء والمرسلين.
أما بعد: فقد كنا نشعر بمسيس الحاجة منذ زمن طويل إلى نشر كتاب واضح المنهج، صريح العبارة، مشرق الديباجة، سهل المتناول، ينم عن إخلاص مؤلفه، وصدق لهجته، وتوجع قلبه مما يرى الناس عليه في عصره من الجهل لغاية الخلق، وبعثة الأنبياء والرسل أجمعين، من إخلاص الدين لله، وإفراد العبادة له، والخوف والرجاء منه، والاستغاثة به، والتضرع إليه، ولما كان يرى من انتشار العقائد والعادات، التي جاءت الأديان السماوية لمحوها، وأنزلت الكتب وبعثت الرسل لمحاربتها والتخليص منها، حتى أصبح الناس من ذلك في جاهلية جهلاء، وفتنة عمياء، واحتاجوا إلى دعوة صارخة سافرة إلى الدين الخالص، والحنيفية السمحة.
وقد شرح اللَّه صدر الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في مدينة الرسول ﷺ
1 / 27
في شهر ذي الحجة ١٣٩٣ هـ لنقل كتاب " تقوية الإيمان " للإمام المجاهد، الداعي إلى اللَّه، الشهيد في سبيل اللَّه، الشيخ إسماعيل بن عبد الغني بن أحمد ولي اللَّه بن عبد الرحيم العمري الدهلوي " ش ١٢٤٦ هـ "، فإنه كتاب أصبح شعارًا وعلمًا للدعوة إلى التوحيد، وبيان الحق الصريح، وقد نفع اللَّه به خلائق في شبه القارة الهندية لا يحصيهم إلا من أحصى رمل عالج وحصى البطحاء.
وقد صدر هذا الكتاب عن قلب جريح متقطع بمشاهدة ما كان عليه المسلمون من بعدٍ عن التعاليم الإسلامية، وخضوع للوثنية الهندية، وتمسك بالعادات الجاهلية، وقد زاد في تأثيره وقبوله، دموع عين باكية على الإسلام، ودم زكي أريق في سبيل إحياء هذا الدين، وتنقيته من الجاهلية، وتأسيس حكومة شرعية تقوم على منهاج الكتاب والسنة، ويكون الدين كله لله.
وقد قرن ﵀ الدعاء بالدعوة، والجهد بالجهاد، والشهادة للحق بالشهادة في الحق، وذلك لباب التوحيد، وغاية الْإخلاص، وكمال الصدق، وتمام الوفاء، وصدق اللَّه العظيم: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٣]، فكان لكتابه من القبول والتأثير، والذيوع والانتشار، ما لا يكون إلا لكتابات كبار المخلصين، والعلماء العاملين، والدعاة المجددين.
وسر قوة الكتاب في صراحته وتشخيصه للأدواء، ومظاهر الشرك، ومواضع الانزلاق، وأنه يضرب على الوتر الحساس، ويصيب ضعف الاعتقاد، وما فتن به المسلمون في العهد الأخير، من الغلو والتقديس والتعظيم، وتقليد الأمم الوثنية، والعادات الجاهلية، في صميمه، وقد اعتاد الناس أن لا يفزعوا للمواعظ والخطب
1 / 28
التي تلقى على المنابر، أو البحوث العلمية التي تتناول موضوع التوحيد والشرك بصفة إجمالية عامة، إذا لم تتعرض للأمراض التي يعانونها، والأخطاء التي يرتكبونها، والعادات التي لا يمكنهم الفطام عنها، وللأشخاص والأماكن والشعائر التي يغلون فيها، فيتجاهلون كل ذلك، ويتظاهرون بأن الواعظ أو الكاتب لا يعنيهم، وإنما يعني المشركين القدامى، وعباد الأوثان في الجاهلية الأولى، أما إذا تعرض هذا الكاتب أو الواعظ لواقع حياتهم، ووضع يده على عللهم وأسقامهم، وحدد مواضع فتنتهم، لم يسعهم أن يتغافلوا عنه، فأعلنوا الحرب عليه، ونادوا بعدائه، وهذا شأن الداعي المخلص الذي ملكته الفكرة، واستحوذ عليه الشعور، وتذوق القرآن، ومنهج الأنبياء في دعوتهم تذوقًا حقيقيًا، فإنه لا يبالي أرضيَ الناس أم سخطوا، إن همه الوحيد أن
يبلغ رسالة القرآن، ويرضي ربه، ويريح ضميره، ويبرئ ذمته.
ويحسن هنا أن أنقل ما كتبته في كتابي " رجال الفكر والدعوة في الإسلام " وأنا أتكلم عن سر تأثير الإمام الحسن البصري في المجتمع الإسلامي في مستهل القرن الثاني الهجري، ونفوذه في القلوب والعقول، وأن المجتمع لم يستطع أن يتجاهله، وأن يمر به مر الكرام، قلت: " إنه ضرب على الوتر الحساس، ونزل في أعماق المجتمع، ووصف أمراضه، وانتقده انتقاد الحكيم الرفيق، والناصح الشفيق، لقد كان عصره يغص بالدعاة والوعاظ، ولكن المجتمع لم يخضع خضوعه للحسن، لأنه كان يمس قلبه، وينزل في صميم الحياة، ويعارض التيار ".
لذلك كله وقع اختيارنا على نقل معاني هذا الكتاب، ومحتوياته إلى لغة الضاد في أسلوب عصري رشيق، وتعبير سهل سائغ.
وقد طلب منا الشيخ الجليل محمد زكريا السابق ذكره، أن يكون بداية هذا العمل في مسجد الرسول ﷺ، وقد يسر اللَّه ذلك في سلخ ذي الحجة ١٣٩٣ هـ
1 / 29
في ساعة مباركة قبل زوال الشمس يوم الأربعاء، فكتبت السطور الأولى من المقدمة في مكان بين باب الرحمة وباب جبرائيل، مكتظ بالحجاج الوافدين، والمشتغلين بالذكر والتسبيح، والصلاة على النبي ﷺ، وفي جو من السكينة، والخشوع والحب، ونحمد اللَّه أن كانت فاتحة هذا العمل في هذا المسجد العظيم، الذي انبثق منه هذا النور وانطلقت موجة التوحيد، والدعوة إلى اللَّه إلى أنحاء العالم، فبددت الظلام، وغمرت القلوب بفيض من الْإيمان، ونور التوحيد، وطهرت النفوس، وأشرقت الأرض بنور ربها، وتمت نعمة اللَّه على عباده.
ويسّر اللَّه إتمام هذا العمل، والقيام به بقدر الطاقة في مدة قريبة، وأيام معدودة، والحمد لله الذي بعزته وجلاله تتم الصالحات.
ورأينا أن نلحق بالكتاب ترجمة مؤلفه العلّامة الشيخ إسماعيل بن عبد الغني بن ولي اللَّه الدهلوي، مقتبسة من المجلد السابع لكتاب (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر " للعلامة السيد عبد الحي الحسني، ليطلع القارئ على علو كعب المؤلف في العلوم الدينية، ورسوخ قدمه في الدين، وحسن بلائه في الإسلام، وغيرته على نقاء العقيدة وأصالتها، وقد أجاد من قال: " إن ترجمة المؤلف نسب الكتاب " ولذلك أكثرَ المؤلفون في الإسلام من تأليف كتب الطبقات والتراجم، والسير والأخبار، وأجادوا في ذلك وأفادوا، ووضعنا عناوين جانبية للكتاب، وتناولنا بعض الكلمات والعادات المحلية، والأعلام التي تختص بالهند بالشرح والإِيضاح والتعريف، حتى يسهل على القارئ العربي الكريم، فهم الكتاب والتذوق به.
1 / 30
ونقلنا بعض المقتطفات من كلام بعض أعلام هذه الأمة وأئمتها تأييدًا لبعض ما ورد في هذا الكتاب من تعبيرات وعبارات لم يألفها كثير من الناس لشيوع الأساليب الإصلاحية في العهد الأخير، التي تعتمد على مجاراة العواطف، ومسايرة المعروف المألوف، إيثارًا لتوسيع الدعوة على تعميقها، وتبليغ العقيدة على ترسيخها، وجلب المنفعة على دفع المضرة،
وتفاديًا من وحشة الناس، وسخط العامة، ولكل وجهة هو موليها.
ويعرف القارئ العربي من خلال هذا الكتاب، وما ورد فيه من ذكر أنواع الانحراف والضلال، وتقليد الأكثرية من سكان الهند، مدى تغلغل الحضارة الهندية، والعادات الجاهلية والتقاليد الوطنية في أحشاء المجتمع الإسلامي الهندي، وخضوع المسلمين في هذه البلاد، للفلسفة الهندية البرهمية، والهند - كما يعرف المطلع على التاريخ القديم - من أعرق بلاد اللَّه في الوثنية، فهي فيها قديمة وأصيلة، إذ كانت في كثير من البلاد جديدة ودخيلة، وقد عجنت فلسفتها وحضارتها، وآدابها، وعلم الفلك، والعلوم الرياضية، والتقويم، فضلًا عن الديانات، بهذه الوثنية، فهي أرض المؤلهين والمؤلهات، وأرض الأساطير والروايات، وأرض الأعياد والمواسم، والمهرجانات والمآتم، تذكارًا لحوادث تاريخية دينية، وأبطال قومية خرافية، أثر كل ذلك في حياة المسلمين وعاداتهم تأثيرا عميقًا، وغم عليهم الأمر على مدى الأيام، والتبس الحق بالباطل بتهاون الحكام والسلاطين، وقلة انتشار علم الحديث، وكتب السنة الصحيحة، ورواجها، وشدة اختلاط المسلمين بجيرانهم في كل مدينة وقرية، وحي وزقاق، حتى قيض اللَّه للصدع بالدعوة، وتمييز الحق من الباطل،
والقشور من اللباب رجالًا من علماء الدين، والدعاة المرشدين.
وكان ذلك من أقوى الأسباب التي حملت مؤلف هذا الكتاب - وقد نشأ في بيئة هندية خالصة، وفي مركز هذه الحضارة - على أن يكون صريح العبارة، قوي العارضة، مرهف الحس في هذا الموضوع، لا يحتفل بالنقد واللائمة، ولا يبالي
1 / 31
بسخط الخاصة والعامة، ولو طالت به الحياة، ووجد فرصة للدعوة والبقاء في الهند، فربما أخذ الأمر بالتدريج، ومشى الهوينا، ولكنه كان مضطرًا إلى مغادرة الهند، وكأن حادي الشوق يحدو به إلى الجهاد، والشهادة في سبيل اللَّه، فألف هذا الكتاب إتمامًا للحجة، وبراءة للذمة، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون.
وليس الأمر مقصورًا على الهند التي بعدت عن مهد الإسلام ومهبط الوحي، ودخلها الإسلام عن طريق بلاد العجم، وقد فقد الشيء الكثير من قوته وجدته، بل تبلبلت العقيدة الإسلامية، واختلطت بشيء كثير من البدع والضلالات في العواصم الإسلامية وبلاد العرب، في القرن السابع والثامن الهجريين، بتأثير الشعوب غير العربية التي دخلت في الإسلام جديدة، وحملت معها رواسب كثيرة من دياناتها وعاداتها، واختلاط المسلمين مع غير المسلمين والعجم، ونفوذ الحكومة الباطنية والإِسماعيلية في مصر والشام وتأثيرهما، وانتشار تعليمات بعض المتصوفين الجهلة، ومن قرأ كتابي شيخ الإسلام ابن تيمية " الرد على البكري "، و" الرد على الأخنائي " عرف الشيء الكثير من غلو الجهال في الأئمة والمشايخ والأولياء والصالحين، واعتقاداتهم الفاسدة، وعاداتهم الجاهلية، ولا يزال لهذا الغلو والتعظيم بغير ما أمر اللَّه به، وشرع ما لم يأذن به اللَّه، آثار باقية في بلاد المسلمين والعرب، تستوجب دعوة قوية صريحة، وحكمة بليغة، لذلك ليست فائدة هذا الكتاب محدودة في الهند، بل تعم جميع الأوساط التي استطاع الشيطان أن يتسرب إليها، وانتشر فيها من
العقائد والعادات ما لا يرضاها الإسلام، ولا يقرها الشرع، ولا يقبلها ضمير المسلم الواعي.
وقد أسمينا هذه الترجمة بـ " رسالة التوحيد للعلامة الشيخ إسماعيل الشهيد " لأن هذا الاسم أدل على مسماه، وقد تولى المؤلف نقل كتابه الذي وضعه بالعربية، وسماه بـ " رد الإشراك " وقد طارت العنقاء بهذا الأصل العربي وفُقِد، وتسميتنا أقرب إلى تسميته الأصلية.
والله نسأل أن ينفع بهذه الترجمة كما نفع بالأصل، ويشرح بها صدور المؤمنين، وعلى اللَّه قصد السبيل.
أبو الحسن علي الحسني الندوي
غرة ربيع الأول ١٣٩٤ هـ
1 / 32
ترجمة المؤلف
الشيخ العالم الكبير، العلامة المجاهد في سبيل اللَّه، إسماعيل بن عبد الغني بن ولي اللَّه بن عبد الرحيم العمري الدهلوي، أحد أفراد الدنيا في الذكاء، والفطنة، والشهامة، وقوة النفس، والصلابة في الدين.
ولد بدهلى لاثنتي عشرة من ربيع الثاني سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف، وتوفي والده في صباه، فتربى في مهد عمه الشيخ عبد القادر بن ولي اللَّه الدهلوي، وقرأ عليه الكتب الدرسيّة، واستفاد من عمّيه الشيخ رفيع الدين، والشيخ عبد العزيز أيضًا، ولازمهما مدة طويلة، وصار بحرًا زاخرا في المعقول والمنقول، ثم لازم السيد الإمام أحمد بن عرفان، وسافر معه إلى الحرمين
1 / 33
الشريفين سنة سبع وثلاثين ومائتين وألف، فحج وزار، ورجع معه إلى الهند، وساح البلاد والقرى بأمره سنتين، فانتفع به خلق لا يحصون بحد وعد، ثم سافر معه إلى الحدود سنة إحدى وأربعين ومائتين وألف، فجاهد معه في سبيل اللَّه، وكان كالوزير للْإمام، يجهز الجيوش، ويقتحم المعارك العظيمة بنفسه حتى استشهد في " بالاكوت " من أرض " ياغستان ".
وكان نادرة من نوادر الزمان، وبديعة من بدائعه الحسان، مقبلًا على اللَّه بقلبه وقالبه، مشتغلا بالإِفادة، والعبادة، مع تواضع وحسن أخلاق، وكرم وعفاف، وشهامة نفس وصلابة دين، وحسن محاضرة، وقوة عارضة، وفصاحة ورجاحة، فإذا جالسه منحرف الأخلاق أو من له في المسائل الدينية بعض شقاق، جاء من سحر بيانه بما يؤلف بين الماء والنار، ويجمع بين الضب والنون، فلا يكاد يفارقه إلا وهو عنه راض.
قال الشيخ محسن بن يحيى الترهتي في " اليانع
1 / 34
الجني ": إنه كان أشدهم في دين اللَّه، وأحفظهم للسنة، يغضب لها، ويندب إليها، ويشنع على البدع وأهلها.
وقال صديق بن الحسن القنوجي في " الحطة بذكر الصحاح الستة " في ذكر الشيخ ولي اللَّه بن عبد الرحيم الدهلوي: " إن ابن ابنه المولوي محمد إسماعيل الشهيد، اقتفى أثر جده في قوله وفعله جميعًا، وتمم ما ابتدأه جده، وأدى ما كان عليه، وبقي ما كان له، والله تعالى مجازيه على صوالح الأعمال، وقواطع الأقوال، وصحاح الأحوال، ولم يكن ليخترع طريقًا جديدًا في الإسلام، كما يزعم الجهال، وقد قال اللَّه تعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ وهو رحمه اللَّه تعالى أحيا كثيرًا من السنن المماتات، وأمات عظيمًا من الأشراك، والمحدثات، حتى نال درجة الشهادة العليا، وفاز من بين أقرانه بالقدح المعلى، وبلغ منتهى أمله، وأقصى أجله.
مصنفاته:
وأما مصنفاته فهي عديدة، أحسنها كتابه " الصراط المستقيم " بالفارسي، جمع فيه ما صح عن شيخه السيد الْإمام قولًا وفعلًا، وفيه بابان من إنشاء صاحبه الشيخ عبد الحي بن هبة اللَّه الصديق البرهانوي،
1 / 35
ومنها " إيضاح الحق الصريح في أحكام الميت والضريح " في بيان حقيقة السنة والبدعة، ومنها " منصب إمامة " في تحقيق منصب النبوة والإِمامة، وهو مما لم يسبق إليه، ومنها رسالة له في " مبحث إمكان النظير وامتناع النظير " كلها بالفارسية، ومنها مختصر له بالعربية في أصول الفقه، ومنها رسالة له بالعربية في " رد الإشراك والبدع " رتّبها على بابين، ومنها " تنوير العينين في إثبات رفع اليدين " بالعربية، ومنها " سلك نور " مزدوجة له بالهندية، ومنها " تقوية الْإيمان " كتاب مشهور له بالهندية، وهو ترجمة الباب الأول من رسالة في " رد الإشراك " [ومنها كتاب " عبقات " في الفلسفة والحكمة، تجلى فيها ذكاؤه، واقتداره على هذا العلم] (١) .
وقال أحمد بن محمد المتقي الدهلوي (٢) في " آثار الصناديد ": (إن له رسالة في المنطق، ادعى فيها أن الشكل الرابع من أجلى البديهيات، والشكل الأول خلافه، وأقام على ذلك الادعاء من البراهين ما لم يندفع، ولم يجترئ على دفعها أحد من معاصريه " (٣) .
_________
(١) من زيادة مترجم هذا الكتاب.
(٢) هو السيد أحمد خان مؤسس الجامعة الإسلامية بعلي كره الهند.
(٣) ملتقطًا من (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر) الجزء السابع للعلامة السيد عبد الحي الحسني اليربلوي رحمه اللَّه تعالى.
1 / 36
والشيخ إسماعيل قتل في سبيل اللَّه لستِّ ليالٍ بقين من ذي القعدة سنة ست وأربعين ومائتين وألف بمعركة " بالاكوت ".
1 / 37
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
مقدمة الكتاب
خطبة الكتاب:
يا رب لك ألف ألف حمد وشكر على ما أنعمت به علينا من نعم لا تعد ولا تحصى، وعلى ما هديتنا إلى الدين القويم، والصراط المستقيم، وأرشدتنا إلى الدين الخالص، والتوحيد النقي، وخرطتنا في سلك أمة نبيك وحبيبك محمد ﷺ، وبعثت فينا رغبة في تعلم هديه، وألهمتنا حب خلفائه الذين يقودون إلى مسالكه، ويهدون بالحق وبه كانوا يعدلون، اللهم فصلّ وسلم على حبيبك، وآله وأصحابه، وخلفائه ألف ألف صلاة وسلام، وارحم أتباعهم، وأشركنا معهم، وأحينا على طريقهم ما عشنا، وتوفنا عليه إذا أمتّنا، واحشرنا في زمرتهم إذا بعثتنا.
قوام العبودية تصحيح العقيدة والإيمان:
أما بعد: فاعلموا رحمكم اللَّه، أن البشر كلهم عبيد لله، ووظيفة العبد وقيمته أن يقوم بالعبادة، فالذي لا يقوم بالعبادة، ولا يؤدي وظيفته فقد ثار على فطرته، وفقد قيمته، وقوام العبودية تصحيح العقيدة والإيمان، فمن تطرق إلى عقيدته خلل، أو تعرض إيمانه لفساد لم تقبل منه عبادة، ولم يصح له عمل، ومن صحت عقيدته، واستقام إيمانه
1 / 45
كان القليل من عمله كثيرًا، ومن هنا وجب على كل إنسان أن لا يدخر وسعًا في تصحيح إيمانه، وأن يكون الحصول عليه، والاستيثاق منه غاية أمله، ونهاية سؤله، لا يعدل به شيئًا، ولا يتأخر فيه دقيقة.
وقد سلك الناس في هذا العصر في الدين طرائق قددًا، وتشعبوا شعبًا، فمنهم من يتمسك بعادات الأولين وتقاليد السابقين، ويعض عليها بالنواجذ، ومنهم من يحتج بحكايات الصالحين، وأساطير الأولين، ومنهم من يتشبث بكلام من تسمى بالعلماء، وامتاز بتشدق اللسان وحدة الذهن، ومنهم من يركض ركائب العقل في هذا الميدان، ويرخي لها العنان (١) .
وكان الأفضل الأعدل أن يرد الإنسان كل ذلك إلى اللَّه ورسوله، فيصدر عما ثبت عنهما، ويتحاكم إليه، ويتخذه بيانًا شافيًا، وحكمًا قاطعا، فيقبل من قصص المشايخ والصالحين، ومن كلام العلماء والوعاظ والمذكرين، ما وافق الأصول والنصوص، وينبذ من الكلام والأحاديث ومن العادات والتقاليد ما خالفها.
تسويلات الشيطان في الصد عن القرآن:
وأما ما اشتهر في العوام أن كلام اللَّه ورسوله من الغموض والدقة بمكان لا يفهمه فيه الناس، ويحتاجون في فهمه إلى علم غزير، ولا قبل لنا بفهم القرآن والحديث، أما العمل بمقتضاه وتطبيقه فلا ينوء به إلا خاصة الخاصة من الذين سمت همتهم، وتزكت نفوسهم من الزهاد
_________
(١) مع أن العقائد والشرائع لا تقوم على العقل والقياس، ولا ينفع فيها الذكاء وحدة الذهن، إن مصدرها الوحي والشرع.
1 / 46
والعباد، ولا مطمع لنا في ذلك، وحسبنا أن نفهم كلام أمثالنا، ونهتدي بهديهم، ونمضي على ما درج عليه آباؤنا، وعامة أهل بلادنا.
فيعرف الخبير أنه كلام لا نصيب له من الصحة، لأن اللَّه ﷾ يصف كتابه المجيد بالبيان والوضوح (١)، فلقد قال في سورة البقرة: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ [البقرة: ٩٩]، وقد ثبت من ذلك أنه لا يتعسر فهم ما جاء في القرآن، وإنما يحتج بتعسره وغموضه من جمحت نفسه، وقسا قلبه، فإن النفوس تعاف الانقياد وتتهرب من العمل والطاعة، وإنما تريد أن يلقى حبلها على غاربها، وتترك لها حريتها وانطلاقتها.
ولا يتوقف فهم كلام اللَّه ورسوله على علم غزير، وذكاء حاد، فإن الأنبياء لم يبعثوا إلا لهداية الضلال، وتعليم الجهال، وقد قال اللَّه تعالى في سورة الجمعة: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: ٢]، وقد من اللَّه بذلك على عباده، فمن مضى بعد ذلك يقول: إنه لا سبيل لغير العالم إلى فهم ما جاء به النبي، ولا طاقة لغير من سمت همتهم، وتزكت نفوسهم أن يعمل بتعاليمه، ويسلك طريقه، فقد أنكر هذه الآية، وكفر بهذه النعمة، وحري أن يقال إن القرآن يرتقي بالجهال إلى درجة العلماء، والضلال إلى مستوى الصالحين والأصفياء، فرب
_________
(١) وقد جاء في سورة يوسف: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ وفي سورة الشعراء: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وفي سورة القمر: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.
1 / 47
جاهل لا يفقه شيئا بلغ بفهمه مبلغ العلماء الراسخين، ورب ضال تائه استنار بنوره، واهتدى بهديه، وبلغ ذروة الصلاح والإخلاص.
أحوج الناس إلى الطبيب، المرضى:
إن مثل ذلك كمثل طبيب حاذق، كثر حوله المرضى، وانتشرت في أرضه الأمراض والأوباء، فأشير على مريض اشتدت به العلة، وأضناه المرض، بالاستعانة بهذا الطبيب وغشيانه، ولكنه تعلل بقوله: " أنا مريض، لج بي المرض، وإنما يأتيه وينتفع به من سلم من الأمراض، واعتدلت صحته، وقويت بنيته " فماذا يقول الناس عن عقل هذا الرجل وفطنته؟ ألا يرون أنه ينكر براعة الطبيب وحذقه، فإن الأطباء لا يعنون إلا بالمرضى، والطبيب الذي لا يداوي إلا الأصحاء، ولا ينتفع بدوائه إلا الأقوياء، أما المرضى فهم أشقى الناس بطبه وحذقه، فلا خير في هذا الطبيب، إنه اسم بلا مسمى، ولفظ بلا معنى.
كذلك كل من أمعن في الجهالة كانت حاجة أشد إلى تفهم كلام اللَّه ورسوله، وكان حريا بأن يكون أحرص عليه من غيره، ومن كثرت ذنوبه وخطاياه، واشتد ظلمه لنفسه، كان أجدر بالإقبال على كتاب اللَّه، وهدي رسوله، حتى يصلح حياته، وينقذ نفسه، كذلك يجب على كل طبقة من طبقات الناس، الخاصة منها والعامة، أن تتفحص كلام اللَّه ورسوله، وتتفهمه، وتسلكه في حياتها، وتزن إيمانها وعقيدتها في ميزانه، وتحكه على محكه.
للإيمان جزءان:
وليعلم أن للإيمان جزأين،
1 / 48
الأول الإيمان بالله إلها وربا والثاني الإيمان بالرسول رسولا ونبيا. فالإيمان بالله إلها وربا يعني أن لا يشرك به أحد، والإيمان بالرسول رسولا ونبيا يعني أن لا يسلك طريق غيره، فيجب على كل أحد أن يتمسك بالتوحيد واتباع السنة بقوة وعزم، ويبتعد عن الشرك والبدعة كل الابتعاد، فإن الشرك والبدعة يؤثران في الإيمان، ويحدثان خللا فيه، أما سائر الذنوب والمعاصي فهي تؤثر في الأعمال، وتحدث خللا فيها.
من يصلح للاقتداء؟!
ويجب أن لا يتخذ قدوة وإماما إلا من رسخت قدمه في التوحيد، واتباع السنة، وكان بمعزل عن الشرك والبدعة، بعيدا عنهما كل البعد، لينتفع الناس بصحبته، ويسري فيهم نور التوحيد وحب السنة.
موضوع الكتاب ونظامه:
لذلك ذكرنا في هذه الرسالة جملة من الآيات والأحاديث ذات صلة قوية بالتوحيد واتباع السنة، وذم الشرك والبدعة ونبذهما، وآثرنا فيها السهولة والوضوح، حتى ينتفع به الخاصة والعامة بطريق سواء، ويسلك من وفقه اللَّه الصراط المستقيم، ويتقرب به إلى اللَّه من يدعو إلى ذلك، ويكون له وسيلة إلى النجاة.
استفحال فتنة الشرك والجهالة في الناس:
اعلم أن الشرك قد شاع في الناس في هذا الزمان وانتشر، وأصبح
1 / 49
التوحيد الخالص غريبا، ولكن معظم الناس لا يعرفون معنى الشرك، ويدعون الإيمان مع أنهم قد تورطوا في الشرك وتلوثوا به، فمن المهم قبل كل شيء أن يفقه الناس معنى الشرك والتوحيد، ويعرفوا حكمهما في القرآن والحديث.
مظاهر الشرك وأشكاله المتنوعة:
ومن المشاهد اليوم أن كثيرا من الناس يستعينون بالمشايخ والأنبياء، والأئمة (١) والشهداء، والملائكة، والجنيات عند الشدائد، فينادونها، ويصرخون بأسمائها، ويسألونها أو يطلبون منها قضاء الحاجات وتحقيق المطالب، وينذرون لها، ويقربون لها قرابين لتسعفهم بحاجاتهم، وتقضي مآربهم، وقد ينسبون إليها أبناءهم طمعا في رد البلاء، فيسمى بعضهم ابنه بعبد النبي وبعضهم بعلي بخش، وحسين بخش، وبير بخش، ومدار بخش (٢)، وسالار
_________
(١) يعني أئمة أهل البيت الذين غلت فيهم الشيعة، وأحاطوهم بهالات من التقديس والتعظيم، ويعتقدون فيهم العصمة، والاطلاع على الغيب، ويفسرون الإمامة تفسيرا يجعلها مشاركة للنبوة، بل منافسة لها في كثير من الخصائص، وقد تأثر أهل السنة بكثير من العقائد الشيعية بحكم الاختلاط بهم، والجهل بالإسلام.
(٢) هو الشيخ الكبير المعمر بديع الدين المدار الحلبي المكنبوري، أحد مشاهير الأولياء بأرض الهند، ينسبون إليه من الوقائع الغريبة ما يأباه العقل والنقل، وإليه نسب شهر من شهور السنة في التقويم المنتشر عند العامة وأهل القرى في الهند ودخل اسمه في الأمثال السائرة عند عوام الناس، وهو مؤسس الطريقة المدارية التي انحرفت في العهد الأخير، ودخل فيها الشيء الكثير من الخرافات والرياضات البهلوانية، كانت وفاته في عاشر جمادى الأولى سنة ٨٤٤هـ.
1 / 50
بخش (١)، وغلام محي الدين، وغلام معين الدين (٢)، ويرسل بعض الناس ضفيرة في رأسه باسم ولي من الأولياء، وبعضهم يقلد ابنه قلادة باسم شيخ أو ولي، وبعضهم يكسو ولده لباسا، وبعضهم يصفد ابنه بقيد في الرجل باسم أحد المشايخ والأولياء، وبعضهم يذبح حيوانا بأسمائهم، وبعضهم يستغيث بهم عند الشدة، وبعضهم يحلف في حديثه بأسمائهم.
تقليد جهال المسلمين للمشركين:
والحاصل أنه ما سلك عباد الأوثان في الهند طريقا مع آلهتهم، إلا وسلكه الأدعياء من المسلمين مع الأنبياء والأولياء، والأئمة والشهداء والملائكة والجنيات، واتبعوا سنن جيرانهم من المشركين شبرا بشبر، وذراعا بذراع، وحذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، فما أجرأهم على اللَّه، وما أبعد الشقة بين الاسم والمسمى، والحقيقة والدعوى.
وصدق اللَّه العظيم، إذ قال في سورة يوسف: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ
_________
(١) هو السيد سالار مسعود الغازي من أشهر الأعلام في الهند، نسجت حوله أساطير كثيرة، وشخصيته لم يسلط عليها الضوء الكافي علميا وتاريخيا، ذكره ابن بطوطة في رحلته، وقال إنه فتح أكثر تلك البلاد، وله أخبار عجيبة، وغزوات شهيرة، مات شهيدا سنة ٥٨٨ هـ، ودفن في مدينة بهرانج في الولاية الشمالية في الهند، قال في «نزهة الخواطر»: بنى على قبره ملوك الهند عمارة سامية البناء، والناس يفدون إليه من بلاد شاسعة، ويزعمون أنه كان عزبا شابا لم يتزوج، فيزوجونه كل سنة، ويحتفلون لعرسه وينذرون له أعلاما فينصبونها على قبره «.
(٢) معنى (بخش) الهبة والرزق، يعني فلان هبة فلان ورزقه وعلي هو علي بن أبي طالب، وحسين هو حسين بن علي، و«بير» معناه الشيخ، ومدار، وسالار، أسماء رجال صالحين، ومشايخ مشهورين في الهند، وغلام معناه عبد، ومحيي الدين المراد به الإمام عبد القادر الجيلاني المشهور، ومعين الدين هو الشيخ معين الدين الجشتي الأجميري، مؤسس الطريقة الجشتية في الهند، كانت وفاته في سادس رجب سنة ٦٢٧ هـ. وهذه الأسماء كلها غير شرعية، وتنم عن عقيدة في القدرة والهبة والرزق، في الأولياء والصالحين.
1 / 51
أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [يوسف: ١٠٦]، فإذا عارضهم معارض، وقال: أنتم تدعون الإيمان، وتباشرون أعمال الشرك، فكيف تجمعون بين الماء والنار، وتؤلفون بين الضب والنون؟ قالوا: نحن لا نأتي بشيء من الشرك، إنما نبدي ما نعتقده في الأنبياء والأولياء من الحب والتقدير، أما إذا عدلناهم بالله، واعتقدنا أنهم والله جل وعلا بمنزلة سواء، كان ذلك شركا، لا شك فيه، ولكننا لا نقول بذلك، بل نعتقد أنهم خلق اللَّه وعبيده، أما ما نعتقده فيهم من القدرة والتصرف في العالم، فهما مما أكرمهم اللَّه وخصهم به، فلا يتصرفون في العالم إلا بإذن منه ورضاه، فما كان نداؤنا لهم، واستعانتنا بهم إلا نداء لله واستعانة به، ولهم عند اللَّه دالة ومكانة ليست لغيرهم، قد أطلق أيديهم في ملكه، وحكمهم في خلقه، يفعلون ما يشاءون، وينقضون ويبرمون، وهم شفعاؤنا عند اللَّه، ووكلاؤنا عنده، فمن حظي عندهم، ووقع عندهم بمكان، كانت له حظوة ومنزلة عند اللَّه، وكلما اشتدت معرفته بهم، اشتدت معرفته بالله، إلى غير ذلك من التأويلات الكاسدة
، والحجج الداحضة، التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان.
والسر في ذلك أن القوم قد نبذوا كلام اللَّه وحديث رسوله وراءهم، وسمحوا لعقولهم القاصرة أن تتدخل فيما ليس لها مجال فيه، وتشبثوا بالأساطير والروايات الشائعة التي لا تستند إلى تاريخ ونقل صحيح، واحتجوا بتقاليد خرافية. وعادات جاهلية، ولو كانوا عولوا على كلام اللَّه ورسوله وعنوا بتحقيقه، لعرفوا أنها نفس التأويلات، والحجج التي كان كفار العرب يتمسكون بها في عصر النبي ﷺ، ويحاجونه بها، ولم
1 / 52
يقبلها اللَّه منهم، بل كذبهم فيها، فقال في سورة يونس: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس: ١٨] .
وقد تبين من هذه الآية، أن من عبد أحدا من الخلق، اعتقادا بأنه شفيعه، كان مشركا بالله، وقد قال اللَّه تعالى في سورة الزمر: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: ٣] .
وقد نكب هؤلاء الجهال عن طريق الحق، وأعرضوا عن اللَّه الذي هو أقرب إليهم من كل أحد، وأقبلوا على غير اللَّه، واتخذوه ظهيرا ونصيرا، ووليا من دون اللَّه، وحرموا نفوسهم النعمة الكبيرة، التي أنعم اللَّه بها عليهم، فإنه يحقق جميع المطالب، ويرد جميع الآفات من غير واسطة، فلم يشكروا هذه النعمة، ولم يقدروها قدرها، وأقبلوا على خلقه يوسطونهم ويطلبون منهم قضاء الحاجات، ورفع الآفات، فعسروا الميسور، وفضلوا ملتوي الطريق، وجاهدوا في غير جهاد، وبدلوا نعمة اللَّه كفرا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ويبتغون في ذلك عند اللَّه قربا وزلفى، ولكنهم لم ينالوا بذلك مطلوبهم، ولم يسعدوا بالقرب عند اللَّه، بل بالعكس من ذلك، كلما أمعنوا في هذا الطريق، واستمروا في هذا السلوك، ازدادوا من اللَّه بعدا، وقد وضح من
1 / 53