كانا صديقين وكانت الصداقة بينهم تقتضي الصراحة التامة، فكتب «زولا» لسيزان يقول: «أنت لا شخصية لك، فإنك كسول، عنيد.» ونعته بغير ذلك من الألفاظ، فاحتمل «سيزان» كل ذلك وأجاب عليه بأن الشخصية الفنية غير الشخصية الحلقية، وأن الفنان يجب أن يكون صاحب مزاج
Tempelament ، وقد انتهت الصداقة التي بينهما على طريقة شاذة، فقد دخل «سيزان» ذات يوم ليزور «زولا» فلم يعجبه منظر الترف والأبهة، وخرج فلم يعد إليه، ولم يشاءا أن يستعيدا صداقتهما، قال «سيزان» في أحد خطاباته لأمه: «لم يعجبني إميل؛ مكتب عظيم وأبهة، لقد تغير، ولذلك خرجت على أن لا أعود إليه.» •••
ما هو المذهب الذي دعا إليه «سيزان» غير توخي الصدق والحكمة؟
هذا المذهب هو الاندماج في الطبيعة، لا عن طريق العقل وحده بل عن طريق الحواس.
فمذهبه إذن مذهب حسي اندماجي كامل، يثور على العقل؛ أي يثور على الكلاسيكية، ويدعو إلى ضرب من التأمل الباطني العميق المقرون بالحس.
هذا هو «سيزان»، فلننظر الآن نظرة إلى «بيكاسو» زعيم السيرياليين، في مقال لهربرت ريد عنوانه «انتصار بيكاسو» عرض جميل لحياة ذلك الرجل، وعرض كذلك للمذهب السيريالي، وكيف طبقه على فنه وحياته.
بيكاسو
يتفق «بيكاسو» مع «سيزان» في نقطتين؛ الأولى: أنه يعترف أنه يرسم حسب هواه، ويقول مرة أخرى: إني أرسم مدفوعا بالحب والعاطفة.
والنقطة الثانية: أنه أنكر استعمال العقل في الفن، وزاد على ذلك بأن أنكر كل قيد، ومارس الشعر والنحت والتصوير، وكان يقول: إنه من الحتم وجود الفكرة «سجينة» في عمل أي فنان إذا كان فنانا حقيقيا، فلا معنى للتحدث عنها. وفي سبيل هذه الحرية، أخذ يبحث عن «المجهول والقلب العادي، والذي لم يخلق بعد»، وعن الخفايا الدفينة في أغوار النفس، هذا هو «بيكاسو» فلنستمع إلى المدافعين عنه «لابريتون» و«جاكسوين» في المانيفستو الشهير.
يقول «لابريتون» إن السير «ريالته» بعث أسلوبا جديدا ولا مذهبا جديدا وإنما هي «فلسفة حياة»، إن في أعماق الإنسانية والمجتمع وترا غنائيا ، وسنظل نطلبه إلى الأبد، وهذا الوتر هو الباطن؛ الباطن الذي أتيح لقليلين أن يصغوا إليه ويضربوا عليه، فطن إليه أمثال «جيته» و«مليك» و«ورد سورت» ولكن الذي كشفه حقا هم الفرويدويون، وقد شاء السيرياليون أن يجعلوا له أهمية فائقة، فكما أن هناك ناحية «طبيعية» في الخارج فهناك ناحية أخرى في الداخل، في الأحلام، في الرؤى، في التنويم.
Unknown page