Criticism is the consciousness of art and test .
وخطوة أخرى في سبيل تفهم موقفنا الحاضر هو أن لا نجزع من تنوع واختلاط المقاييس، ويجب أن لا نفزع من سيل الفوضى الذي يغمرنا، فإن الحقيقة الكبرى أن لكل سيل اتجاهه ولكل انتقال هدفه، وإن هذا التنويع في الاتجاهات والمذاهب، يحمل - على رغمه - خطوطا رئيسية، فإذا فهم الناقد هذه الاتجاهات فعليه أن يكون محصنا ضد التأثرات العابرة، أعني أن يكون محيطا بميول نفسه وميول جيله، وملما بالميول والاتجاهات الإنسانية الماضية ومستعدا للمقارنة واستخلاص القيم الثابتة، وأزيد ذلك شرحا أن على الناقد أن تكون وظيفته «كاتب حسابات الفن»؛ عليه أن يدون الحسابات، ويرصد الدخل والخرج ويعين الرصيد، ويمحو من العملة القديمة ليبدلها بعملة جديدة، فهو من ثم يكون حافظ التراث، حافظ التراث القومي والتراث الإنساني، فإن لم يكن هناك تراث فعليه خلق تراث، هذه وظيفة هامة جدا للناقد، وهو في أثناء عمله هذا يجب أن يدرك أننا لم نعد في عصر يؤمن بقيم مطلقة لا تناقش، فإن القيم المطلقة مستحيلة، وإنما الذي نبغيه هو الاختلاف في ظل وحدة قابلة للنمو والتحسين.
ولما كانت الفلسفة والفن على اتفاق في أنهما يحددان ويخلقان القيم الإنسانية فإن الناقد يجب أن تكون له ذهنية الفيلسوف والفنان معا، ولو أن «مري» و«إليوت» يعطيان الأهمية للعقل الفلسفي، ولكن كما شرحت سابقا قد بينت علاقة النقد بالفن، وفي الواقع يهمني أن أجد الناقد فنانا ذا نشاط ذهني قوي، على الناقد إذن أن يكون له عقل فيلسوف وإحساس فنان، وهنا نقف على عتبة الموضوع الكبير، عقل أم عاطفة؟ موضوعية أو ذاتية؟ معنى أم لفظ؟ كلاسيكية أم رومانتيكية؟ إنه مهما تعددت المذاهب وانقسمت لا تنقسم أكثر من مذهبين؛ الكلاسيكية والرومانتيكية، فتصور تحرر الروح والتمرد على الأوضاع والانطلاق الشعوري التام، ففي الأولى الاستقرار في ظل النظام، والثانية في ظل فوضى لذيذة، وإذا استعرضنا العمل الفني على الأجيال خيل لنا أن هناك جهدا موصولا للخلاص من الكلاسيكية، ولكن هذا غير حقيقي؛ فإن كل جيل يخيل له أن الجيل الذي سبق مثقل بالقيود، فعليه الخلاص من قيوده، وهو في الواقع لا يمكنه أن يحطم تلك القيود؛ لأنها قيود أصبحت جزءا من الهيكل الأدبي والاجتماعي يود الذي يسكنه - وهو لا يدري - أن يخلق متنفسا من الهواء الطلق في أبهاء قصر عابس الحجرات متجهم المعالم، ولكنه قصر يقف رمزا للمجد ولا يزال أثره باقيا وسيظل.
فالخلاصة أن الأجيال المتعاقبة عاملة على إعطاء الزمام للروح بدل العقل، وللشعور بدل المنطق الصارم، هذا هو الاتجاه الرئيسي للجيل الحاضر، فالكلاسيكية كما يريدها ناقد مثل «إليوت» لم تعد صالحة مطلقا، والرومانطيقية كما يريدها
ioya
كذلك لا يمكن أن تنطلق على هواها!
فما هي القيمة التي يتوخاها الناقد الحديث - ناقد المستقبل - في العمل الأدبي؟ يجب أن يحاول الناقد وضع العمل الأدبي في مكانه من القيم الإنسانية الثابتة، بعبارة أخرى: يتعدى الخصوص للعموم، وهو لن يصل إلى هذه النتيجة إلا إذا اعتبر النقد وعيا للحياة الإنسانية.
قال «تشيكوف» لأحد أصدقائه الذين يكتبون من برج عاجي: «تعال، اختلط، استغرق في الزحام، تنفس أدبا، لكي تعرف أن تنقد أدبا!»
فقيمة العمل الأدبي أو الفني هو القيمة التي نسجلها في درج الحياة الإنسانية، فإذا فهمنا ذلك ذهبنا إلى صورة العمل الأدبي، العمل الأدبي غرفة ذات بابين: باب يطل على الحياة، وباب يوصل إلى الحياة.
من الأول نستمد تجربتنا الشعورية، ومن الثاني نوصلها للناس.
Unknown page