رسول الله ﷺ بالتثبت من عدالة الرواة، والسفر الطويل إلى المكان البعيد حرصًا على معرفة الحق من وجهه، وطلبًا للأدلة الصحيحة فيه. كما حفظ الله كتابه من أن تمتد إليه يد التحريف أو التبديل، وبذلك حفظ الله دينه وأتم على العباد نعمته، ومن هنا يجب أن تختفي كل ملامح الفلسفات والبدع المحدثة من أهل الأهواء، لأنها لا مجال لها مع البيان والبرهان الساطع، ولم ينتقل الرسول ﷺ إلى ربه إلا بعد إرسائه لقواعد الدين، وتركه رجالًا تعلموا الكتاب والسنة، وكانوا على خير هدي وأحسن طريق؛ ولذلك عقد الأشعري بابًا ذكر فيه معتقد هؤلاء الأخيار وما أجمعوا عليه من أصول الدين والتي بلغت في عدّه لها واحدًا وخمسين إجماعًا، وهي على الترتيب كما يلي:
الإجماع الأول: ويشتمل على نقطتين:
الأولى: إثبات حدوث العالم، وأنه وجد بعد أن لم يكن موجودًا.
الثاني: إثبات الأسماء الحسنى والصفات العلا للذات العلية مع ذكر بعض الصفات.
الإجماع الثاني: بيان أن إثبات الأسماء والصفات لا يقتضي مشابهة المخلوق للخالق، كما أشار إلى حدوث العالم.
الإجماع الثالث: يذكر الأشعري في هذا الإجماع بعض صفات الله ﷿ ويبين أن هذه الصفات كما تطلق على الخالق، فهي تطلق على المخلوق، ولا يقتضي مجرد الاشتراك في الاسم المشابهة بين الله وبين خلقه، وهذا واضح للغاية.
الإجماع الرابع: ذكر أيضًا بعض الصفات، ثم ذكر أن صفات الله أزلية قديمة ليس شيئًا منها محدثًا، فالله بصفاته وذاته إله واحد فكما أن ذاته قديمة فكذلك صفاته كلها قديمة.
الإجماع الخامس: يدخل الأشعري في هذا الإجماع في نقاش طويل مع المعتزلة ويغلب على كلامه النزعة الكلامية، لأنه يخاطب أهل الكلام، وكان أحيانًا يستعمل بعض الألفاظ التي كان السلف لا يستعملونها، وذلك كلفظ الجسم مثلًا، وخلاصة ما ذكره في هذا الإجماع هو، قوله للمعتزلة أنتم تثبتون الأسماء دون الصفات، والأسماء مشتقة من الصفات فكيف تثبتون المشتق دون المشتق منه؟.
الإجماع السادس: يثبت فيه صفة الكلام لله ﷿ ويستدل على ذلك بأدلة من القرآن وبقول علي بن أبي طالب ﵁ وإقرار الصحابة له.
1 / 56