ثم انتقل إلى الكلام على وحدانية الله ﷿، وأنه سبحانه واحد لا شريك له، واستدل على ذلك بقوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ ١، وبينتُ هناك في تعليقي على الآية مدى صحة الاستدلال بها في هذا الموضع.
ثم تعرض لقضية البعث والإعادة، ورد على المشركين الذين عبدوا الأصنام المنحوتة بأيديهم من دون الله، مؤيدًا قوله بآيات من القرآن الكريم.
ثم ذكر أن النبي ﷺ أقام الحجة على أهل الكتاب من خلال ما جاء في كتبهم عنه، وذلك كاسمه وصفته كما تحداهم بالمباهلة فنكصوا على أعقابهم لعلمهم بصدقه، وبدأ بتقرير نبوة المصطفى ﷺ من خلال ما أيد به من معجزات، وبدأ بالمعجزة الكبرى الخالدة ألا وهي "القرآن الكريم" مشيرًا إلى بعض وجوه الإعجاز فيه، ثم ذكر بعض المعجزات الحسية التي وقعت من النبي ﷺ كتكثير الطعام وزيادة الماء ونبعه من بين أصابعه، وكلام الذئب عنه، وشهادته له بالرسالة وإخبار الذراع له بأنها مسمومة، وانشقاق القمر، ومجيء الشجر إليه وانصرافه بأمره، وإخباره ببعض الغيبيات التي يطلعه الله عليها لمصلحة الدعوة والرسالة كما أشار إلى عصمة الله لنبيه حتى بلغ الرسالة وأوضح الحجة وأقامها على العباد، ولم يؤخر بيان ما أمر به عن وقت الحاجة.
ثم أشار الأشعري إلى اتفاق السلف على ما سبق ذكره من حدوث العالم وتوحيد محدثه، والإقرار بصفاته ورد جميع الأمور إليه، وسيأتي ذكر ذلك بتفصيل في الباب الذي عقده لهذا الغرض، كما ذكر أن السلف تمسكوا بما جاءهم من الوحي، ولم يكلفوا أنفسهم البحث إلا فيما يجِّد من الحوادث التي تقع بينهم، وتتطلب الاجتهاد، كما قطعوا عذر من جاء بعدهم بنقلهم الكتاب والسنة إليهم، كما بلغهم إياها الرسول ﷺ على وجه الصدق والأمانة، كما هو معلوم عند أهل النقل من المحدثين والفقهاء.
ثم قرر أن ما جاء به النبي ﷺ من الوحي أوضح في الدلالة والحجة والبرهان، بخلاف ما استدل به الفلاسفة ومن سلك مسلكهم من أهل البدع المنحرفين عن التمسك بالسنن والآثار، وخاصة فيما ذهبوا إليه من القول بالجوهر والعرض لإثبات حدوث العالم، وقرر الأشعري أنها طريقة مخالفة لطريقة الأنبياء، وفيها من الخفاء والغموض ما يجعلها عاجزة عن إقامة دليل على هذه القضية، ومن هنا تمسك سلفنا الصالح بما جاء به الوحي، وأعرضوا عن كل طريق يخالفه، واحتاطوا في نقل الرواية عن
_________
١ الأنبياء آية: (٢٢) .
1 / 55