وقد فصل هذا الأمر أكثر العالم الفاضل محب الدين الخطيب في تعليقه على المنتقى من منهاج الاعتدال فقال: "أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري من كبار أئمة الكلام في الإسلام، نشأ في أول أمره على الاعتزال وتتلمذ فيه على الجبائي، ثم أيقظ الله بصيرته وهو في منتصف عمره وبداية نضجه، فأعلن رجوعه عن ضلالة الاعتزال ومضى في هذا الطور نشيطًا يؤلف ويناظر ويلقي الدروس في الرد على المعتزلة سالكًا طريقًا وسطًا بين طريقة الجدل والتأويل وطريقة السلف، ثم مَحضّ طريقته وأخلصها لله بالرجوع الكامل إلى طريقة السلف في إثبات كل ما ثبت بالنص من أمور الغيب التي أوجب الله على عباده إخلاص الإيمان بها، وكتب بذلك كتبه الأخيرة ومنها في أيدي الناس كتاب الإبانة، وقد نص مترجموه على أنها آخر كتبه، وهذا ما أراد أن يلقى الله عليه، وكل ما خالف ذلك مما ينسب إليه، أو صارت تقول به الأشعرية فالأشعري رجع عنه إلى ما في كتاب الإبانة"١.
ونقطة تحول الأشعري هذه هي أهم شيء حدث له في تاريخ حياته وكان لها أثر كبير في نصرة مذهب السلف أهل السنة والجماعة ودحض الباطل الذي كان عليه قبل ذلك، وخاصة بعد ما حرر نفسه بالرجوع الكامل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وكان ذلك في طوره الأخير وهو:
٣ - الطور الثالث:
هو الذي أعلن فيه الأشعري انتسابه إلى الإمام أحمد كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه الإبانة، وتصريحه بذلك يدل على أنه وقف على كتب الإمام أحمد، واستقى منها كثيرًا في العقيدة، وهذا يظهر في كلامه على الصفات ومطابقته لكلام الإمام أحمد وذلك مثل صفة الكلام، وقد أشرت إلى ذلك في التحقيق.
ويذكر في سبب رجوعه عن الاعتزال أنه رأى النبي ﷺ في المنام ثلاث مرات، في كل مرة كان يأمره باتباع منهجه وسلوك طريقته٢، كما تذكر لنا المصادر - المشار إليها سابقًا - أن الأشعري كان يورد الأسئلة على أستاذه في الدرس، فلا يجد في جوابه ما يكفي
_________
١ انظر: التعليق على المنتقى من منهاج الاعتدال ص٤١.
٢ انظر: التبيين ص٣٨ – ٤٣، وطبقات الشافعية ٣/٣٤٨.
1 / 36