المبحث السابع المراحل والأطوار التي مر بها
مر الأشعري بأطوار مختلفة نظرًا لاختلاف البيئة التي نشأ فيها وتربى بينها، وقد أشرت إلى ذلك سابقًا، وتكاد المراجع كلها تتفق على أن الأشعري نشأ معتزليًا ثم انتقل إلى المذهب الكلامي، ثم هداه الله إلى الحق ورجع إلى مذهب أهل السنة والحديث.
وابن النديم (ت/٣٨٥هـ) وهو أول من ترجم للأشعري يقول: "كان أولًا معتزليًا ثم تاب من القول بالعدل وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة"١، وقول ابن النديم هذا سار عليه معظم المؤرخين القدامى والمحدثين، إلا أن الحذاق منهم، وأهل الفقه والعلم بعقيدة السلف ذكروا أنه تنقل في أطواره فكان أولًا معتزليًا، ثم سلك طريقًا وسطًا بين الاعتزال وأهل السنة، وأخيرًا رجع إلى عقيدة السلف.
وعلى هذا فالأطوار التي مر بها الأشعري ثلاثة كما يلي:
١ - الطور الأول:
كان فيه معتزليًا يقول بقولهم ويأخذ بأصولهم حتى صار إمامًا لهم.
٢ - الطور الثاني:
خرج فيه على المعتزلة ومال إلى أهل السنة والحديث ولماَّ يلحق بهم. وفي هذا الطور سلك طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب٢.
_________
١ الفهرست ص٢٥٧.
٢ عبد الله بن سعيد، ويقال: عبد الله بن محمد أبو محمد بن كلاب القطان، أحد أئمة المتكلمين، ووفاته فيما يظهر بعد الأربعين ومائتين بقليل.
انظر: طبقات الشافعية ٢/٢٩٩.
وهو من المتكلمين الذين يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة وليسوا منهم، ولكنهم أقرب من غيرهم نسبيًا وزاد عليه قوله: إن كلام الله تعالى لا يتصف بالأمر والنهي والخبر في الأزل لحدوث هذه الأمور وقدم الكلام النفسي، وإنما يتصف بذلك فيما لا يزول. انظر: طبقات الشافعية ٢/٣٠٠.
ويقول ابن تيمية: "إن ابن كلاب أثبت الصفات اللازمة به سبحانه كالعلم والقدرة والحياة، ونفى عنه ما يتعلق منها بمشيئته وقدرته من الأفعال، وذلك كالإتيان والمجيء وغير ذلك، وقد كان الناس قبله صنفين فقط". انظر: موافقة صريح المعقول لصريح المنقول ٢/٤ – ٨.
والمراد بالصنفين في كلام ابن تيمية السلف المثبتون، والمعطلة النفاة.
1 / 34