Risala Ila Ahl Thughr
رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
Investigator
عبد الله شاكر محمد الجنيدي
Publisher
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
Edition Number
١٤١٣هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
Creeds and Sects
ويدل بأعراضها فيها وتعاقبها عليها على حدثها، ولا يجب أن تكون غيره ﷿؛ لأن غير الشيء هو ما يجوز مفارقة صفاته له من قبل أن في مفارقتها له ما يوجب حدثه وخروجه عن الألوهية، وهذا يستحيل عليه (كما لا يجب) ١ أن تكون نفس٢ الباري ﷿ جسمًا أو جوهرًا، أو محدودًا، أو في مكان دون مكان، أو في غير ذلك٣ مما لا يجوز عليه من صفاتنا لمفارقته لنا، فلذلك لا يجوز على صفاته ما يجوز على صفاتنا، ولا يجب إذا لم تكن هذه الصفات غيره أن تكون نفسه٤ لاستحالة كونه حياة، أو علمًا، أو قدرة؛ لأن من كان كذلك لم يتأت منه الفعل، وذلك أن الفعل يتأتى من الحي القادر العالم دون الحياة والعلم والقدرة٥.
_________
١ ساقط من (ت) .
٢ في (ت): "تفسير".
٣ يؤمن الأشعري كما يؤمن غيره من السلف أن الله على العرش استوى وسيأتي إثبات ذلك، ولعله هنا يقصد شيئًا آخر. والله أعلم.
وعبارة "أوفي مكان دون مكان" خطأ، لأن الله استوى على عرشه وعرشه فوق سماواته، وقد أخبر الله بذلك في غير آية من كتاب الله تعالى، وأخبر الرسول ﷺ بذلك، وحديث الجارية التي قالت إن الله في السماء، وشهد لها رسول الله ﷺ بذلك أوضح دليل في هذا. (انظر نص الحديث في صحيح مسلم ١/٣٨١، وسنن النسائي ٣/١٧، ومسند أحمد ٥/٤٤٧، وموطأ مالك ٣/٥، ٦) .
٤ الصفات معان زائدة على الذات، وليست غيرها؛ لأن الله بأسمائه وصفاته إله واحد، ولا يتحقق الإيمان بالله إلا إذا آمنا بذات متصفة بصفات الكمال، وعليه فالمغايرة بين الذات والصفات بهذا المعنى باطلة، مع التأكيد على أن للصفات معان نفهمها منها زائدة على الذات. (انظر بدائع الفوائد ١/٢١، وكتاب الصفات الإلهية في الكتاب والسنة المحمدية للدكتور محمد أمان ص٣٤١- ٣٤٣) .
٥ يشير الأشعري في هذا الإجماع إلى ما سبق أن قرره من عدم مشابهة الله لأحد من خلقه، وأن صفات الله ﷿ ليست كصفات المخلوقين، ثم أخذ في الرد على المعتزلة الذين نفوا صفات الله ﷿، وقالوا بأنه لا يوصف بالعلم والقدرة وسائر الصفات، لأنها قديمة ولو وصف بها لتعدد القدماء وهو باطل. (انظر شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص١٨٢، والمقالات للأشعري ١/٢٤٤، والإبانة ص٣٨، والفرق بين الفرق للبغدادي ص١١٤، والملل والنحل للشهرستاني ١/٤٩) .
والمعتزلة يثبتون الأسماء وينفون الصفات، فألزمهم الأشعري الإيمان بها كما آمنوا بالأسماء، وقد وضح هذا الإلزام لهم في كتابه الإبانة فقال: "وجدنا اسم عالم اشتق من علم، واسم قادر اشتق من قدرة، وكذلك اسم حي من حياة، واسم سميع من سمع، واسم بصير من بصر.
ولا تخلو أسماء الله ﷿ من أن تكون مشتقة، إما لإفادة معنى، أو على طريق التلقيب، فلا يجوز أن يسمى الله ﷿ على طريق التلقيب باسم ليس فيه إفادة معنى، وليس مشتقًا من صفة، فإذا قلنا إن الله ﷿ عالم قادر فليس ذلك تلقيبًا كقولنا زيد وعمرو، وعلى هذا إجماع المسلمين وإذا لم يكن ذلك تلقيبًا، وكان مشتقًا من علم وجب إثبات العلم". (انظر: الإبانة ص٤٠) .
ويؤكد الرازي كلام الأشعري في هذا المقال فيقول: "إن صدق المشتق لا ينفك عن صدق المشتق منه خلافًا لأبي علي وأبي هاشم فإن العالم والقادر والحي أسماء مشتقة من العلم والقدرة والحياة، ثم إنهما يطلقان هذه الأسماء على الله تعالى، وينكران حصول العلم والقدرة والحياة لله تعالى". (انظر المحصول في علم أصول الفقه ص٣٢٧ بتحقيق د/ طه جابر) .
ويقول محمد الأمين الشنقيطي ﵀: "والمعتزلة ينفونها - أي الصفات - ويثبتون أحكامها فيقولون: هو تعالى حي قادر، مريد عليم، سميع بصير، متكلم بذاته لا بقدرة قائمة بذاته، ولا إرادة قائمة بذاته، وهكذا فرارًا منهم من تعدد القديم.
ومذهبهم الباطل لا يخفى بطلانه وتناقضه على أدنى عاقل، لأن من المعلوم أن الوصف الذي منه الاشتقاق إذا عدم فالاشتقاق منه مستحيل، فإذا عدم السواد عن جرم مثلًا استحال أن تقول هو أسود، إذ لا يمكن أن يكون أسود ولم يقم به سواد، وكذلك إذا لم يقم العلم والقدرة بذات استحال أن تقول: هي عالمة قادرة لاستحالة اتصافها بذلك، ولم يقم بها علم ولا قدرة. قال في مراقي السعود:
وعند فقد الوصف لا يشتق ... وأعوز المعتزليَ الحق
(انظر أضواء البيان ٢/٢٧٧) .
1 / 124