18
الذي تنبأ وحده، على عكس جميع الأنبياء، بإعادة بناء المدينة، فكان في حاجة ملحة إلى آية وإلا شك في نبوته حتى تثبت الحوادث صدق النبوة (إرميا، 29: 9).
19
ولكنه، نظرا إلى أن يقين الأنبياء، الذي يتولد عن آيات معينة، لم يكن يقينا رياضيا، (أي إنه يترتب بالضرورة على إدراك الشيء المحس أو المرئي) بل كان يقينا خلقيا فحسب، (ونظرا إلى أن الآيات، من جهة أخرى، لم يكن مقصودا منها سوى إقناع الأنبياء)،
20
فقد كانت هذه الآيات تتفاوت تبعا لآراء الأنبياء وقدراتهم، بحيث لا يمكن للآية التي تعطي اليقين لهذا النبي أن تقنع آخر مشبعا بآراء مختلفة؛ لذلك، اختلفت الآيات باختلاف الأنبياء، وكذلك اختلف الوحي - كما قلنا من قبل - عند كل نبي طبقا لمزاجه وخياله، ووفقا للآراء التي اعتنقها من قبل. وتحدث فروق المزاج على النحو الآتي: إذا كان النبي ذا مزاج مرح توحى إليه الحوادث التي تعطي الناس الفرح مثل الانتصارات والسلام، وبالفعل نجد أن من لهم مثل هذا المزاج قد اعتادوا أن يتخيلوا أمورا كهذه. وعلى العكس من ذلك، إذا كان النبي ذا مزاج حزين توحى إليه الشرور، كالحرب والعذاب. وإذا كان النبي رحيما ألوفا غضوبا قاسيا ... إلخ، كان قادرا على تلقي هذا الوحي أو ذاك. كذلك فإن فروق الخيال تكون على النحو الآتي: إذا كان النبي مرهفا فإنه يدرك فكر الله ويعبر عنه بأسلوب مرهف أيضا، وإذا كان مهوشا أدركه مهوشا. ومثل هذا يصدق على الوحي الذي يتمثل بالصورة المجازية: فإذا كان النبي من أهل الريف كانت صورة الوحي متضمنة للأبقار والجاموس، وإذا كان جنديا تكون صورة قواد وجيش، وأخيرا، إذا كان رجل بلاط، تمثل له عرش ملك وما شابه ذلك. وأخيرا، فهناك أيضا فروق ترجع إلى اختلاف آراء الأنبياء، فقد أوحي بولادة المسيح للمجوس الذين يعتقدون بخرافات التنجيم (انظر: متى، الإصحاح 2)،
21
حين رأوا نجما يتألق في الشرق، كما أوحي لعرافات نبوخذ نصر في أمعاء الضحايا (انظر: حزقيال، 21: 26)
22
بهدم بيت المقدس الذي عرفه الملك نفسه أيضا بالتكهنات وباتجاه الأسهم التي قذفها عاليا في الهواء. وقد تكشف الله للأنبياء الذين يعتقدون بأن أفعال الناس تتم باختيار حر وبقدرة ذاتية، كما لو كان غير عابئ، ويجهل أفعال البشر المستقبلة. وسنبرهن على كل هذه النقاط واحدة واحدة من خلال الكتاب المقدس.
Unknown page