المترجم
مقدمة الطبعة الثانية1
«رسالة في اللاهوت والسياسة» أوسع النصوص الفلسفية العربية انتشارا. تقرأ في معظم الجامعات العربية؛ لأنها تعبر عن الوضع الحالي للفكر العربي وعما يصبو إليه من نهضة وتقدم. وما زالت قادرة على المساهمة في التأسيس الفلسفي للربيع العربي الذي انطلق من خضم التجربة الحية، وأتون القهر والفقر والتهميش والضياع والبطالة والفساد على النحو الآتي: (1)
التمييز بين التوحيد والعقائد الكلامية؛ فالتوحيد فطري في النفس يقوم على التنزيه دون التشبيه أو التجسيم، ينبع من الأخلاق والعمل الصالح، وهو معنى حديث «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.» أو «الدين المعاملة». والعقائد تصورات إنسانية لما لا يمكن تصوره، تخفي وراءها صراع الفرق، وهو صراع سياسي على السلطة تتبناها الكنيسة، وتدافع عن إحداها ضد الصياغات الأخرى للفرق الضالة الخارجة عن الرحمة الإلهية. (2)
يقوم على العقل، ويثبت بالبرهان، أما العقائد فإنها تقوم على الخيال والصور الفنية والتشبيهات الإنسانية،
ليس كمثله شيء . أما العقائد فأمثال وصور وخيالات تؤدي إلى السحر والخرافة، وتبعث على الوهم والخوف أو الطمع والجشع. يتعامل العقل مع المعاني والدلالات والعبر، في حين يؤدي الخيال إلى قصص الأنبياء ومعجزاتهم والتي تتضخم جيلا وراء جيل في الروايات الشفاهية. (3)
ويقوم على التقوى الباطنية، ولا يحتاج إلى شعائر خارجية؛ رسوم وطقوس. والتقوى الباطنية تقوم على الصدق والتطابق مع النفس وتستبعد كل ازدواجية بين الداخل والخارج، في حين أن الطقوس قد لا تنبع عن إيمان صادق. تبغي التظاهر والتفاخر وطلب المنافع والسعي وراء الرئاسة. قد تقوم على النفاق، والتناقض بين الداخل والخارج
يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم . (4)
ولا ينبع من النصوص الدينية التي قد تكون محرفة، لم تحفظ تاريخيا لمرورها بمرحلة شفاهية قد تصل إلى ستة قرون مثل التوراة، يعمل فيها الخيال، وتحملها الثقافات الشعبية، وقد تؤول تأويلا حرفيا فتوقع في عكس ما تهدف إليه؛ التشبيه بدلا من التنزيه، والرأسمالية بدلا عن الاشتراكية، والعنصرية بدلا من الإنسانية ، والحرب بدلا من السلام. (5)
وتأويلها الصحيح يتفق مع العقل والواقع، مع البداهة والمصالح العامة للناس. فالقانون الإلهي لا يتعارض مع القانون العقلي والقانون الطبيعي، والمعجزات حوادث طبيعية تقع وفقا لقانون طبيعي لا نفهمه، وبتقدم العلم يمكن فهمها، فلا تصبح مصدرا للسحر والخرافة، بل واقعا لكشف القوانين الطبيعية. (6)
Unknown page