13 ⋆
فإذا لم يقم نقيب سبط ما بواجباته نحو الله، كان على باقي الأسباط ألا تعامله على أنه من بين الرعايا، بل إن عليها محاربته وكأنه عدو نقض عهدا أخذه على نفسه. وفي الكتاب أمثلة كثيرة على ذلك، فبعد موت يشوع خاطب أبناء إسرائيل الله، ولم يخاطبه قائد الجيش، وعندما علم أن على سبط يهوذا مهاجمة عدوه أولا، تحالف مع سبط شمعون وحده لتوحيد قواتهما ضد العدو، ولم تدخل باقي الأسباط هذا الحلف (انظر القضاة، 1: 1-3)،
14
ويروى في الإصحاح نفسه أيضا أن كل سبط حارب العدو بمفرده وقبل التسليم أو الخضوع ممن أرادوا ذلك، مع أن الأوامر الأصلية كانت تقضي بإبادة جميع الأعداء بلا رحمة، وعدم التفاوض معهم على أي شرط من الشروط. صحيح أن السبط الذي كان يقترف هذا الإثم، كان يوجه إليه اللوم، ولكنه لم يكن يدان، فلم يكن ذلك دافعا كافيا لكي تتطاحن الأسباط في حرب بينها ويتدخل كل سبط في شئون الآخر. وعلى العكس عندما أهان سبط بنيامين الأسباط الآخرين وقطع العلاقات السلمية التي تربطه بهم ، بحيث إن الأسباط الحلفاء لم تعد تجد فيه حليفا يعتمد عليه، نشبت الحرب، وبعد المعركة الثالثة انتصر الأسباط الآخرون وقتلوا، طبقا لقوانين الحرب، جميع أبناء بنيامين، المذنبين منهم والأبرياء، ثم ندموا على هذه الجريمة بعد فوات الأوان وحزنوا عليها.
هكذا أثبتنا بالأمثلة، على نحو قاطع، ما قلناه فيما يتعلق بحق كل سبط. وقد يسألني سائل: من الذي كان يعين خليفة نقيب كل سبط؟ الواقع أني لم أجد في الكتاب جوابا يقينيا في هذا الموضوع، ولكني أفترض أن أكبر المشايخ سنا كان له الحق في خلافة نقيب السبط، نظرا إلى أن كل سبط كان مقسما إلى أسر يختار شيوخها من بين المسنين في الأسرة، وقد اختار موسى من بين المشايخ سبعين معاونا له كانوا يكونون معه المجلس الأعلى، وقد أطلق الكتاب اسم الشيوخ على من تولوا إدارة شئون الدولة بعد موت يشوع، وكان لفظ الشيوخ يستعمل دائما عند العبرانيين للإشارة إلى القضاة، وهو أمر يعلمه الجميع ولا شك. وفضلا عن ذلك فلا يهمنا كثيرا، بالنسبة إلى مقصدنا، أن نعرف معرفة يقينية تعيين نقباء الأسباط، بل يكفي أن أكون قد بينت أن أحدا بعد وفاة موسى لم يقم بكل مهام السلطة العليا، فلما لم يكن تصريف الأمور العامة في دولة العبرانيين يعتمد على مشيئة إنسان واحد، أو مجلس واحد، أو حتى على الشعب نفسه، وكان بعض منها من اختصاص سبط ما والبعض الآخر من اختصاص باقي الأسباط، وكان لجميع الأسباط الحقوق نفسها، فإنه يتبين من ذلك بوضوح تام أن نظام الحكم بعد وفاة موسى لم يكن ملكا ولا أرستقراطيا ولا شعبيا، بل كان حكما للسلطة اللاهوتية (ثيوقراطيا) كما قلت من قبل (وذلك للأسباب الآتية): (1)
كان المعبد هو المقر الملكي للدولة، وبالنسبة إليه وحده، كان جميع أفراد الأسباط كلهم مواطنين في دولة واحدة كما بينا من قبل. (2)
كان على جميع المواطنين أن يقسموا يمين الولاء لله حاكمهم الأعظم (وهو وحده الذي وعدوه بالطاعة المطلقة في كل شيء). (3)
كان الله وحده هو الذي يختار عند الحاجة قائدا أعلى.
15
وقد تنبأ موسى بذلك للشعب صراحة باسم الله (التثنية، 17: 15)
Unknown page