Risala Fi Kitaba Carabiyya
رسالة في الكتابة العربية المنقحة
Genres
ويسمى الثاني ب «المسند»؛ لأنه كثيرا ما كان يزبر على الصخر أو الحجر، فكأنه كان يسند إليه، على ما روى لنا هذه الرواية أصحاب بعض التواريخ والأخبار.
ثم انتقل الخط النبطي من صورة إلى صورة أحسن منها، وأجلى للعين وأظهر، حتى صار إلى الحالة التي نراه فيها. وقد بلغ التحقيق بالمستشرقين إلى القول بأن الخط الذي نسميه اليوم بالنسخي غير مشتق من الكوفي، على ما كان يزعمه بعض الأقدمين.
وأما «المسند» فقد زال من عالم الكتابة شيئا فشيئا عند ظهور راية الإسلام، واقتبس العرب الخلص حروفهم وترتيبها من عرب الأنباط، وهؤلاء من الآرميين، وهؤلاء من الفنيقيين. وكانوا من أصحاب التجارات، ويحسنون الكتابة والقراءة. وكان للسلف حروف وحركات غير ما نعرفها لهم اليوم من هذا القبيل؛ لأنهم كانوا قبائل شتى، واختلطوا بأمم مختلفة، فكانوا ينطقون بأنواع الحروف والحركات على ما وصلت إليهم من أجدادهم، أو على ما اقتبسوا بعضا منها من محالفيهم.
ولما اقتبس العرب حروفهم أو كتابتهم من الآرميين أو الفنيقيين، الذين كانوا قد اضطروا إلى اتخاذ الكتابة لتجارتهم ومعاملاتهم للغير؛ اتخذوا ما عندهم من الحروف ، وعلى ترتيب ما كانت مستعملة عند أولئك الناس، ثم زادوا عليها أحرفا كانت تميز لغتهم عن سائر اللغات، ففازوا بالفتح المبين الذي تاقت نفوسهم إليه، لكنهم - لسوء الحظ - لم يقيدوا جميع ما كان عندهم من الحروف الجارية على ألسنتهم يومئذ، ولا كل ما كان عندهم من الحركات المختلفة؛ فكانوا يصورون الحروف التي لا صور لها بحروف تقاربها صوتا. وكذلك فعلوا بالحركات. واعتمدوا على التلقين والرواية والسماع لمعرفتها معرفة صحيحة، فضاع من اللفظ العربي الصحيح شيء كثير، لا سيما من لفظ أولئك الذين ما كانوا يتلقون النطق بالحروف من الشيوخ الأئمة أو الرواة الصادقي العلم، بل من أجانب لم تكن حلوقهم مخلوقة للأصوات العربية أو السامية، أو الجامعة بين الحروف السامية واليافثية، أو السامية الحامية معا.
أما العوام، فقد حافظوا على تلك الحروف وتلك الحركات، فهم ينطقون بها إلى هذا اليوم؛ كل قوم بموجب الديار التي وجدوا فيها أو نزلوها، أو بموجب القبيلة التي ينتسبون إليها، أو يدعون الانتماء إليها. (2) قصور الحروف العربية الحالية عن تأدية اللفظ حق التأدية
إن عجز الحروف والحركات العربية الحالية عن تصوير الكلم القديمة التي نقلت عن السلف نزع من لغة عدنان محاسنها القديمة، ودقائق النطق بها على ما هي، حتى صرنا إلى هذه الأيام، فزاد اختلاط أبنائنا بأبناء الغرب لتعلم صنائعهم وعلومهم وفنونهم ولغاتهم، فشعرنا بنقص عظيم، وامتنع على فريق منا النطق ببعض الأحرف الإفرنجية التي كانت - بلا أدنى شك - في لغات السلف منا، أو لا أقل من أن بعضها كان شائعا عندهم، فأماتها عدم الاستعمال لها؛ حتى إنه ليصعب اليوم على اللبنانيين مثلا أن يلفظوا الپاء المثلثة التحتية التي تقابل الحرف
الإفرنجي، وكذلك الڤاء المثلثة الفوقية التي تقابل
V
الإفرنجية، ومنهم من لا يستطيع أن يتبين الجيم المعطشة الشامية (وهي التي اتفق الترك على رسمها بصورة «ژ»؛ أي راء فوقها ثلاث نقط، وتقابل
J
Unknown page