قَال زِيَادٌ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " لَمَّا نَثَرَ ذَلِكَ السَّفِيهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ التُّرَابَ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْتَهُ وَالتُّرَابُ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ، فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ وَهِيَ تَبْكِي، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ لَهَا: لا تَبْكِ يَا بُنَيَّةُ، فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكِ، فَقَالَ: وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ: مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ "
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَضِيُّ، قَالَ: فَلَمَّا أَكْثَرَتْ قُرَيْشٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الأَذَى، وَجَدَ فَقْدَ عَمِّهِ لَمَّا كَانَ يَكُفُّ عَنْهُ مِنْ أَذَى قَوْمِهِ، فَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ عَلَى قَدَمَيْهِ يُرِيدُ ثَقِيفًا لِيَمْنَعُوهُ وَلِيَنْصُرُوهُ وَلِيُعِينُوهُ، وَلِيَكُونُوا مَعَهُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى مَسْعُودٍ، وَحَبِيبٍ، وَعَبْدِ يَالِيلَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُقْدَةَ بْنِ غِيرَةَ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، وَدَعَاهُمْ إِلَى نُصْرَتِهِ، وَالْقِيَامِ مَعَهُ، وَظَلَّمَ عِنْدَهُمْ قَوْمَهُ، فَلَمْ يُؤْوا، وَلَمْ يَمْنَعُوا، وَلَمْ يَرْحَمُوا، وَلَمْ يَكْتُمُوا.
فَقَالَ أَحَدُهُمْ: إِنَّا قَدْ عَلِمْنَا عَامَّةَ أَمْرِكَ، وَالَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ قَوْمِكَ، وَأَنْتَ رَجُلٌ تُرِيدُ مَا لا يَكُونُ، أَمَا وَجَدَ اللَّهُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرَكَ؟ وَقَالَ الآخَرُ: أَنَا أَسْرِقُ حِجَابَ كَعْبَةٍ إِنْ كَانَ اللَّهُ أَرْسَلَكَ بِشَيْءٍ قَطُّ! وَقَالَ الآخَرُ: لَسْتُ بِقَائِلٍ لَكَ شَيْئًا، وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ، لأَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ نُكَلِّمَكَ بِشَيْءٍ يُؤْذِيكَ، وَلَئِنْ كُنْتَ تَفْتَرِي عَلَى اللَّهِ وَعَلَى نَفْسِكَ، لأَنْتَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أُكَلِّمَكَ.
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اكْتُمُوا عَلَيَّ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَبْلُغَ قَوْمِي أَنِّي أَتَيْتُكُمْ فَلَمْ تُصَدِّقُونِي، فَيَزْدَادُوا عَلَيَّ جَرْأَةً» .
1 / 113