قال الشيخ «إبراهيم»: «وليكن ناظر النظار، أو أكبر من ناظر النظار، ليكن أمير البلاد، ليكن خاقان البرين والبحرين، بل ليكن الله جل جلاله، فإنه لا يستطيع أن يخرب لي بيتا.» ففزع العالم المحقق، وخيل إليه أن المسألة تنتقل من التمرد والعصيان إلى الكفر بالله، والعياذ بالله!
فصاح بالشيخ الناشئ حنقا: أهذا الذي تعلمتموه من «جمال الدين»؟!
وكان «جمال الدين» مظنة «الزندقة» عند بعض العلماء في ذلك الحين، فطاب للعالم المحقق أن يجد في كلام التلميذ برهانا على زندقة الأستاذ.
وكان الشيخ «إبراهيم الهلباوي» من تلاميذ «جمال الدين»، فلم يكن أسرع منه إلى رد التهمة إلى المتهم، وقال لصاحبنا: بل هذا الذي تعلمناه منكم قبل أن نتعلمه من «جمال الدين»!
قال الرجل: أعلمناكم نحن الكفر؟
قال الفتى المتحذلق: بل علمتمونا أن قدرة الله لا تتعلق بالمستحيل، وخراب بيتي مستحيل؛ لسبب واحد، وهو أنه ليس لي بيت!
على أن تلمذة «الهلباوي» «لجمال الدين»، لم تكن تمنعه أن يستطيل عليه بمثل هذه الحذلقة إذا «حكمت القافية» كما يقولون، فلعله هو التلميذ الوحيد الذي كان يجترئ على السيد بالدعابة في مجالس الدرس أو مجالس الحديث.
قال لي عظيم من عظماء هذا العصر الذي حضروا كثيرا من تلك الأحاديث - أو تلك الدروس - وكانت كل أحاديث «جمال الدين» من قبيل الدروس: إن السيد كان يتكلم يوما عن بعض الرذائل التي تصيب الجسد والنفس الناطقة، وبعض الرذائل التي تصيب الجسد ولا تمس النفس الناطقة.
فقاطعه «الهلباوي» قائلا: يا خبر! وهل السيد من هؤلاء؟
فانتفض السيد مغضبا وصاح به: «اغرب عني أيها الخبيث. لعنة الله عليك!»
Unknown page