وتذكرت مستشفى الصدر وطابور المرضى، وشددت الزجاج إلى تحت لأفتح نافذة السيارة. لا هواء، وصدري مختنق ببخار الماء، إلى جواري حقيبة ملابسي، يتدلى ورقة نصفها أخضر، عليها حروف بالإنجليزية، «رالي» ما هي «رالي» وهل أنا في أمريكا؟ وما الذي يمكن أن أصفه من غرائب الدنيا حين أعود إلى أهلي في الوطن؟ •••
غرفتي بالمدينة الجامعية شديدة الحرارة، والوقت يمر ببطء، أهبط إلى الدور الأسفل حيث التليفزيون، جونسون يتكلم عن السلام وعن فيتنام، طالبة أمريكية جالسة إلى جواري تبصق على الشاشة وتصيح: كاذب! تختفي صورة جونسون فجأة قبل أن يكمل كلامه وتظهر امرأة نصف عارية ترقص وتغمز بعينها وتشرب من زجاجة كازوزة اسمها «غمزة عين»، تتراقص وتمط شفتيها وتقبل فوهة الزجاج ثم تغني «اشربوا غمزة عين»، وتختفي المرأة ويعود جونسون إلى الظهور يكمل حديثه عن السلام، مدت الطالبة قدميها في وجه جونسون وهتفت: تتحدث عن السلام ثم ترسل جنودك بالأسلحة إلى فيتنام؟
ونظرت إلي وقالت: من أي بلد؟
قلت: من مصر.
هتفت بدهشة: أوهوه!
اسمها ماري وترتدي شورت أبيض قصيرا وحذاء كاوتش أزرق، طويلة ونحيفة، وشعرها أصفر وينسدل على كتفيها، عيناها خضراوان فيهما بريق، وفي نهاية الأسبوع أخذتني إلى أسرتها في «شابل هيل» على بعد خمسين ميلا من «رالي»، قادت سيارتها الطويلة الضخمة بين الشوارع الملتوية داخل غابة كثيفة الخضرة عالية الأشجار، البيوت متناثرة في الخضرة، توقفنا أمام بيت صغير أبيض تحوطه حديقة واسعة، أمها تزرع الزهور، وأبوها فوق سقالة يدهن النوافذ بالطلاء، ارتدت «المايوه» وقالت: هيا بنا إلى حمام السباحة في النادي، قادت السيارة وهي ترتدي المايوه.
في دورة المياه في النادي بابان، كتب على أحدهما: للبيض، وكتب على الآخر: للملونين، وتوقفت أمام المرآة أدقق النظر في لون بشرتي، ولم أعرف أيهما أدخل، ثم دخلت من باب الملونين.
عادت ماري إلي دون أن تسبح وقالت بغضب: تصوري، حمام السباحة مغلق للتطهير؛ لأن اثنين من الزنوج نزلا فيه بالأمس . هذه الولاية عنصرية. وبصقت على الأرض.
وفي الليل دعتني هي وصديقها ديفيد للرقص، القاعة صغيرة مزدحمة بالشباب، والدخان ورائحة البيرة والموسيقى الراقصة، الرءوس كلها شعرها طويل، والأجسام داخل السراويل الضيقة نحيفة طويلة، والحركات منطلقة حرة، ولا أكاد أفرق بين الولد والبنت.
دعاني ديفيد للرقص ولكني فضلت الجلوس وشرب البيرة، ورقص ديفيد مع ماري، وعيناي تتابعان حركاتهما الراقصة، سرت إلي عدوى الرقص مع سريان البيرة في عروقي، ووجدتني أحرك ذراعي ورأسي وأنا جالسة، ثم نهضت ورقصت مع ديفيد وماري، وشباب آخرين انضموا إلينا، وبدأنا نغني معا ونضرب الأرض بأقدامنا بقوة إيقاع اللحن.
Unknown page