وقلت لصديقتي الجزائرية فتيحة: لماذا لا تتمشى النساء الجزائريات على البحر؟
وقالت فتيحة: لا زلنا مجتمعا رجوليا. - ولكن النساء اشتركن في حرب التحرير. - نعم، لكن بعد تحرير الوطن لم نحرر أنفسنا. - أيهما يسبق؟ تحرير النفس أم تحرير الوطن؟ - النفس طبعا؛ فاقد الشيء لا يعطيه.
فتيحة إحدى عضوات الاتحاد النسائي الجزائري. لم تتزوج بعد. كانت مشغولة بالثورة ولم تجد الوقت للزواج، وإذا وجدت الوقت لم تجد الزوج، وقالت لي: «الرجل الجزائري إذا تحرر تزوج فرنسية، وإذا تزوج جزائرية لم يعد متحررا ، وهو يشتهي المرأة الحرة لكنه لا يتزوج إلا الجارية.» •••
من الجزائر ركبت الطائرة إلى باريس. لم يعد لركوب الطائرة السحر الأول، أحملق من خلال الزجاج المزدوج لأرى مضيق جبل طارق، شريط البحر بين قارة أفريقيا وقارة أوروبا.
كلمة «أوروبا» تملأ رأسي بالخيالات، وأول مرة سمعت الكلمة من أبي. كنت لا أزال طفلة، وسمعته يقول: إن الطالب المتفوق يسافر في بعثة لأوروبا، وتصورت أن أبي تفوق على جميع الرجال في العالم ولا أحد يفوقه في شيء، ثم اكتشفت بعد أن كبرت قليلا أن الملك فاروق أكثر شهرة من أبي، وسألت جدتي: لماذا لم يصبح أبي ملكا؟ ثم كبرت أكثر، وكلما كنت أكبر كان حجم أبي يتناقص، حتى علمت أن هناك رجالا سافروا في بعثات إلى أوروبا وهو لم يسافر، ثم عاش أبي ومات في الواحد والستين من عمره دون أن يرى أوروبا ودون أن يركب الطائرة.
أصبحنا نحلق فوق إسبانيا، أحملق من خلال الزجاج كأنما سأرى الأندلس والسندس الأخضر وحلبة مصارعة الثيران.
أدقق النظر إلى الأرض في القاع السحيق تحت جناح الطائرة، الأرض تبدو حمراء تحت وهج الشمس، البيوت دقيقة بحجم رءوس الدبابيس.
إلى جواري رجل يقرأ في جريدة، التقطت كلمة الصباح بالفرنسية.
تعلمت اللغة الفرنسية في المدرسة الابتدائية والثانوية. لم أتكلم الفرنسية منذ أكثر من عشر سنوات.
ابتسم الرجل وسألني بالفرنسية عن بلدي، وقلت: «إيجبت»، ورن صوتي في أذني غريبا، وكلمة «إيجيبت» بدت وكأنها ليست «مصر».
Unknown page