** ويستجيشونهم بدون انقطاع ، وكانوا هم مادة الإسلام وحملة الدين
الجديد إلى الأمم ، كانت القواصي تأكلهم ، والحروب تفني منهم مئات الألوف ، وكانت قبائلهم أصبحت منتشرة من الصين ، إلى الهند ، إلى فارس ، إلى الروم ، إلى مصر ، إلى أفريقية ، إلى الأندلس ، إلى فرنسة ، إلى جزائر البحر ، فلم يبق منهم في الجزيرة العدد الذي يقوم بعمرانها.
وكانوا في هذا أشبه بإسبانية التي بعد فتحها للمكسيك ولأمريكة الجنوبية قد تقهقرت إلى الوراء ، بما هاجر من أهلها إلى تلك الديار ، التي فاق فيها الإسبانيول في العدد من بقي منهم في وطنهم الأصلي.
فهذا هو السبب الحقيقي في تقلص عمران الجزيرة بعد الإسلام ، حتى عاد الوهط مثلا دسكرة حقيرة ، بعد أن كان مسطاح الزبيب فيه يظن حرة لسواده واتساعه.
ومما لا ريب فيه أن كروم الطائف كانت لعهد البعثة أكثر مما هي الآن مرارا ، وكانت الخيرات فوق التصور ، فقد روى البلاذري في «فتوح البلدان» (1) أن سفيان بن عبد الله الثقفي كتب إلى عمر رضياللهعنه ، وكان عاملا له على الطائف ، يذكر أن قبله حيطانا فيها كروم ، وفيها من الفرسك (2) والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافا ، واستأمره في العشر ، فكتب إليه عمر : ليس فيها عشر.
ويقولون له في مصر والمغرب : الخوخ ، وأما في اليمن فيقولون له : فرسك ، كما في الحجاز ، وهي لفظة فارسية ، فإن اسم هذه الفاكهة فرسك في بلاد العجم ، ويظهر أن الألمان أخذوها من فارس ، فهم يقولون لها أيضا : فرسك ( Pfirich ).
Page 256