Rihla Fi Zaman Nuba
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Genres
ودعنا الريس محمد بعد أن نفحناه «أجرة وبقشيشا» ما أثلج فؤاده، وودعنا «لندا» ذلك القارب العزيز، وأدار الريس محمد المحركات وانطلق عبر بوابة كلابشة، متجها إلى أهله في نجع قناوي حاملا معه كل ما تبقى من المأكولات، وكانت كثيرة؛ لأن الكرم النوبي في جهات عديدة قد وفر لنا من المأكولات التي اشتريناها الشيء الكثير. وبعد الاستقبال الطيب من قبل الألمان على ظهر العائمة، كان أول ما عملناه هو شرب الماء البارد والليمونادة المثلجة، وأخذنا حماما يزيل العرق وطبقة الطين الرقيقة، ويزيل كل الجهد والعناء طيلة الأسابيع التي قضيناها في النوبة، واستمتعنا فيها بكل شيء من المخاطر إلى المسرات.
في الصباح التالي ركبنا الصندل الكبير الذي يحمل آخر حجر من حجارة معبد كلابشة متجها به إلى الموقع الجديد للمعبد غرب أسوان، وقد سبق لنا أن وصفنا نقل الحجر والدعاء عند حجر السلامة في البداية الجنوبية من بوابة كلابشة - انظر فصل
بوابة كلابشة - وأثناء مرورنا في أمبركاب شاهدنا «لندا» والريس محمد على الضفة الغربية، حيث كان يزور بعض أقاربه. أطلق ريس الصندل صفارة تحية للريس محمد، ورد علينا محمد بالتلويح بعمامته.
اليوم الهواء أقوى شمالي وبارد، ولكن ماذا يهمنا الآن ونحن على ظهر صندل ضخم لا يكاد يتأثر بأمواج النيل التي كثيرا ما عرقلت «لندا» الصغيرة، وها نحن الآن متجهين إلى نهاية رحلتنا النوبية، استمتعنا بكل لحظاتها، وسوف نستعيد هذه المشاعر حينما تأتي إلينا الصور بعد تحميضها، وحين نرتب أوراقنا الكثيرة التي كتبناها أثناء الرحلة؛ لعلنا ننجح في نشر كتاب يحكي قصة جزء عزيز من أرض وشعب مصر الخالدة.
القسم الثاني
الدراسة العلمية للنوبة القديمة
الجغرافيا والتاريخ والسكان والاقتصاد وبعض أشكال الحياة الاجتماعية
تقديم
بلاد النوبة إقليم من أقاليم حوض النيل، تمتد لصق النهر التصاقا شديدا لمسافة نحو ألف كيلومتر، وهذا الالتصاق شبيه بما هو عليه الحال في مصر النيلية، لكنه أشد في النوبة عنه في مصر لرحابة الوادي شمال أسوان وضيقه الشديد في كل أرجاء النيل النوبي، عدا اتساع نسبي في وادي دنقلة، ولهذا فإن سكان النوبة كانوا حقا ناس النهر أكثر من غيرهم في الشمال أو الجنوب، وحقا يمكن أن نلخص أوضاع النوبة في العبارات المحدودة الآتية:
هي بلاد الجفاف والصخور السوداء والرمال الذهبية اللانهائية والحرارة العالية.
Unknown page