309

ولا يقطع الكراء مع واحد من عرب الدرب حتى يأتي عريفهم لأمير الركب فيتقاطع معه في الكراء ويعطون له حملاء هناك بمصر لئلا يغدروا وربما غدروا في بعض السنين فيغلي الفول في بعض البنادر فيكابد الناس لذلك ما الله به عالم فإذا كان اليوم الحادي والعشرون من شوال خرج المحمل من القاهرة وهذا اليوم هو يوم خروج المحمل الخروج الكبير الذي هو من أيام الزينة ويجتمع له الناس من أطراف البلاد إلى أن ينزل خارج باب النصر بالعادلية فيقيم هناك إلى اليوم الثالث والعشرين فيرحل من هناك إلى البركة ويخرج أمير الحاج وجميع عسكره ويخرج مع الركب من المشيعين ومن العساكر والأمراء أضعافهم فتنصب الأسواق هناك فيخرج غالب الباعة والمتسببين بحيث يوجد هنالك ما يحتاج للسفر بأرخص من سعر مصر ويقيمون هنالك إلى آخر اليوم السابع والعشرين وأما المغاربة فلا يخرج منهم إلا من قصده هنالك مع المصري مؤثرا مشي الليل على مشي النهار مستسهلا مشقة السهر بالليل عن حر النهار لا سيما في أيام الصيف وإنما يؤثر ذلك غالبا صنفان من الناس أهل القوة والثروة الذين لهم شقاذف ومحامل وهوادج ينامون فيها بالليل على ظهور الإبل ويصبحون بالنهار كأنهم مقيمون ولا شك أن هذا أولى لهم من السير نهار إذ وطنوا أنفسهم على بذل الدينار والدرهم للجمال والعكام والسقاء والطباخ وقائد الإبل وغيرهم وهم في ذلك متعاطون من النوم على ظهر الدابة ما تأباه الشريعة السمحة المبنية على الرحمة والشفقة. والصنف الآخر الفقراء الذين لا إبل لهم ولا أمتعة فيسترفقون عند المصري بالماء المسبل في أوقات من الليل وعند الرحيل نهارا مع ما ينالهم من أهل الثروة من التصدق بفضل الأطعمة إلا أنهم يكابدون مشقة عظيمة في المشي والسهر ليلا وفي النهار يشتغلون بالسعي على ما يقوتهم فلا يكادون ينامون إلا قليلا وأما المستوقة والباعة والجمالون من فلاحي مصر فلهم قوة وفرط صبر على مكابدة أعظم من ذلك فبالليل يسيرون وبالنهار يعملون في البيع والشراء

Page 333