Richard Feynmann
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
Genres
ن = ع
ن
ليست لها حلول ذات أعداد صحيحة إذا كان ن أكبر من 2 (لأنه إذا كان ن يساوي 2، فتلك هي الحالة المعروفة باسم نظرية فيثاغورس حول أطوال أضلاع المثلث قائم الزاوية). ومن المشكوك فيه أن فيرما كان يمتلك حقا مثل هذا البرهان، الذي احتاج إثباته، بعد 350 عاما من عصره، إلى جميع تطورات القرن العشرين في الرياضيات وعدة مئات من الصفحات. ومع ذلك، فلو أن أحدا يذكر فيرما اليوم في أوساط عامة الناس، فليس السبب في هذا هو إسهاماته الكبيرة العديدة في الهندسة، والتفاضل والتكامل، ونظرية الأعداد، وإنما هو ما كتبه في هامش ذلك الكتاب الذي سيظل يعرف إلى الأبد باسم «نظرية فيرما الأخيرة».
إلا أنه بعد مرور خمسة وعشرين عاما على هذا الادعاء المشكوك في صحته، قدم فيرما برهانا مكتملا على شيء آخر مختلف تماما هو: مبدأ مميز، يكاد يكون من عالم الغيب، رسخ منهج التعامل مع الظواهر الفيزيائية واستخدمه فاينمان فيما بعد في تغيير طريقة تفكيرنا في الفيزياء في العالم المعاصر. كانت المسألة التي حول فيرما انتباهه إليها عام 1662 تتعلق بظاهرة وصفها العالم الهولندي ويلبرورد سنيل قبل أربعين عاما من ذلك التاريخ. اكتشف سنيل انتظاما رياضيا في الطريقة التي ينحني بها الضوء، أو ينكسر، عندما يعبر بين وسطين مختلفين، مثل الهواء والماء. إننا نسمي هذه الظاهرة اليوم باسم «قانون سنيل»، وغالبا ما تدرس تلك الحقيقة في مقررات الفيزياء بالمدارس الثانوية كحقيقة أخرى مملة من تلك الحقائق التي ينبغي حفظها، على الرغم من أنها لعبت دورا شديد الأهمية في تاريخ العلوم.
يتعلق قانون سنيل بالزوايا التي يصنعها شعاع الضوء عندما ينتقل عبر سطح يقع بين وسطين مختلفين. ولا يعنينا هنا الصيغة المحددة لهذا القانون، والمهم هو طابعه العام وأصله الفيزيائي. بعبارات بسيطة، ينص القانون على أنه عندما ينتقل الضوء من وسط أقل كثافة إلى وسط أعلى كثافة، ينحني مسار شعاع الضوء مقتربا من الخط العمودي على السطح الفاصل بين الوسطين (انظر الشكل).
والآن، لماذا ينحني الضوء؟ حسنا، إذا كان الضوء مكونا من تيار من الجسيمات، كما كان نيوتن وغيره يعتقدون، يمكن للمرء أن يفهم هذه العلاقة إذا كانت الجسيمات تزيد سرعتها عند انتقالها من وسط إلى آخر؛ فسوف تسحب الجسيمات حرفيا إلى الأمام، لتتحرك بفعالية أكبر في اتجاه عمودي على السطح الذي عبرته للتو. غير أن هذا التفسير بدا مريبا حتى في ذلك الوقت البعيد. فعلى أي حال، في وسط أعلى كثافة، من المفترض أن تواجه أي جسيمات كهذه مقاومة أكبر لحركتها، تماما كما تتحرك السيارات ببطء أكبر عندما تزيد كثافة حركة المرور.
إلا أنه كان هناك احتمال آخر، كما أوضح العالم الهولندي كريستيان هيجنز عام 1690. فإذا كان الضوء يتألف من موجات وليس جسيمات، فتماما كما تنحني الموجات الصوتية نحو الداخل عندما تبطئ سرعتها، سيحدث الشيء نفسه للضوء إذا قلت سرعته أيضا في الوسط الأعلى كثافة. وكما يعرف أي شخص لديه اطلاع على تاريخ الفيزياء، فإن سرعة الضوء تقل بالفعل في الأوساط الأعلى كثافة، وهكذا فإن قانون سنيل يمنحنا دليلا مهما على أن الضوء - في هذه الحالة - يسلك سلوكا يشبه سلوك الموجة.
قبل قرابة ثلاثين عاما من عمل هيجنز، استنتج فيرما أيضا أن الضوء لا بد أن ينتقل في الأوساط الكثيفة بسرعة أبطأ من سرعة انتقاله في الأوساط الأقل كثافة. غير أنه بدلا من أن يفكر من منظور كون الضوء موجات أو جسيمات، أوضح فيرما - عالم الرياضيات - أنه في هذه الحالة يمكن للمرء أن يفسر مسار الضوء في ضوء مبدأ رياضي عام ، ندعوه الآن «مبدأ الزمن الأقل لفيرما». وكما بين، فإن الضوء سيتبع المسار المنحني نفسه الذي حدده سنيل بالضبط إذا «انتقل بين نقطتين معينتين تقعان على مسار أقصر زمن».
يمكن فهم هذا تجريبيا كما يأتي: إذا كان الضوء ينتقل بسرعة أكبر في الوسط الأقل كثافة، فإنه لكي يصل من النقطة «أ» إلى النقطة «ب» (انظر الشكل) في أقصر زمن ممكن، سيكون من المنطقي أن يقطع مسافة أطول في هذا الوسط، ويقطع مسافة أقصر في الوسط الآخر الذي ينتقل فيه ببطء أكبر. غير أنه لا يمكنه الانتقال في الوسط الأول لوقت أطول مما ينبغي، وإلا فإن المسافة الإضافية التي يقطعها ستفوق المكسب الذي يتحقق من خلال الانتقال بسرعة أكبر في الوسط الأقل كثافة. ومع ذلك فثمة مسار واحد هو المسار الأنسب، ويتبين لنا أن هذا المسار هو المسار المنحني الذي يتطابق بالضبط مع المسار الذي رصده سنيل.
يعد مبدأ الزمن الأقل لفيرما وسيلة بارعة رياضيا لتحديد المسار الذي يسلكه الضوء دون اللجوء إلى أي وصف ميكانيكي يعتمد على الموجات أو الجسيمات. والمشكلة الوحيدة هي أنه عندما يفكر المرء في الأساس الفيزيائي لهذه النتيجة، يبدو لنا أنها توحي بنوع من «التعمد»، بمعنى أن الضوء يدرس بطريقة ما جميع المسارات المحتملة قبل أن يبدأ رحلته - مثل مسافر على الطريق في ساعة الذروة الصباحية لأول أيام أسبوع العمل يستمع إلى التقرير المروري - ويختار في نهاية المطاف المسار الذي سيوصله إلى وجهته في أسرع وقت.
Unknown page