النياحة قطُّ، بل السنن الصحيحة تنهى عن النياحة مطلقًا، والسلف فما كان ينوح في عهدهم النساءُ.
ولم يأمر الله تعالى بالجزع قطُّ ولا أثنى عليه، كما أمرَ بالفرح في مواطنَ وأثنى عليه، فالصوتان المنكران الأحمقانِ اللذان نهى عنهما النبي ﷺ: صوتُ لهوٍ ولعبٍ ومزامير الشيطان، وصوتُ لَطْمِ خُدودٍ وشَقِّ جيوبٍ ودُعاءٍ بدعوى الجاهلية (^١)، أحدهما أنكر من الآخر.
نعم إذا كان البكاء رحمةً للمَبْكِيِّ عليه فهذا حسنٌ مستحبٌّ، كما في الصحيحين (^٢) عن أسامة بن زيد قال: أرسلتْ ابنةُ النبي ﷺ إليه أن ابنًا لي قُبِض فأْتِنا، فأرسلَ يُقرِئ السلامَ ويقول: "إنّ لله ما أخذَ وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجلٍ مسمًّى، فلْتَصْبرْ ولْتحتسِبْ". فأرسلتْ إليه تُقسِم عليه لَيأتينَّها، فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجالٌ، فرُفِعَ إلى رسولِ الله ﷺ الصبيُّ ونفسُه تتقَعْقَع كأنّها شَنٌّ، ففاضتْ عيناه، فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: "هذه رحمةٌ جعلها الله في قلوبِ عبادِه، وإنما يَرحم الله من عبادِه الرُّحماءَ". وهذا يقتضي أن من لم يكن عنده رحمةٌ للمتوجِّعِ بنَزْعٍ أو مرضٍ أو فَقرٍ أو ظُلمٍ أو معصيةٍ أُصِيبَ بها ونحو ذلك، فإنه لا يرحم.
ولهذا جمعَ الله تعالى بين الصبر والرحمة في قوله: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [البلد/ ١٧]، فذكر التواصي بالصبر وبالرحمة جميعًا، إذ المرحمة بلا صبرٍ يكون معها الجزعُ،