30

Jawāb al-iʿtirāḍāt al-Miṣriyya ʿalā al-fatwā al-Ḥamawiyya

جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية

Investigator

محمد عزير شمس

Publisher

دار عطاءات العلم (الرياض)

Edition Number

الثالثة

Publication Year

١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

Publisher Location

دار ابن حزم (بيروت)

Genres

فأما الأول فمن وجوهٍ:
أحدها: أن النبي ﷺ بيَّن لأصحابه القرآنَ لفظَه ومعناه جميعًا، فإن البيان لا يحصل بدون هذا، وقد قال تعالى: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل/ ٤]، وقال: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران/ ١٣٨]. ولو خاطبهم بلفظٍ لم يفهموا معناه لم يكن ذلك بيانًا. وقد امتنَّ عليهم في غير موضع بكونه أرسله بلسان عربي وأنه يسَّره (^١) عليهم بذلك، فقال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف/ ٢]، فهل يعقلونه إذا لم يعرفوا اللفظ؟ وكذلك: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [الدخان/ ٥٨]، فكيف يتذكر من لا يفهم الكلام؟ قال: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فصلت/ ٤٤] أي أقرآن أعجمي ونبي عربي أو مخاطب عربي! فدلَّ على أنه فصَّل آياتِه، والتفصيل التبيينُ المنافي للإجمال، فلو كانت آياتُه مجملةً لم يُفهم معناها لم تكن آياتُه قد فُصِّلت، والتفصيل إنما يكون للبيان والتمييز الذي يزول معه الاشتباه والاشتراك والإجمال المنافي لفهم المراد بالخطاب، وإن كان المعنى المفهوم قد يحصل بينه وبين معنى آخر مشابهةٌ ومشاركةٌ تمنع إدراك حقيقته التي لا تُفهم بمجرد اللفظ. وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [العنكبوت/ ١٨]، وإذا كان المخاطبون لم يفهموا معنى كلامه لم يكن قد بلَّغَهم بلاغًا مبينًا، ومن قال ذلك فلم يشهد له بالبلاغ.
وهذا حال هؤلاء الذين يزعمون أنه لم يُعرَف من جهتِه معاني القرآن، فإنهم يقولون: لم يُبيِّن ولم يُبلِّغ، وإن كانوا يقولون ما يستلزم

(^١) في الأصل: "انسرح".

1 / 11