Response to Egyptian Objections on the Hamawiyya Fatwa
جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية
Investigator
محمد عزير شمس
Publisher
دار عطاءات العلم (الرياض)
Edition Number
الثالثة
Publication Year
١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
Publisher Location
دار ابن حزم (بيروت)
Genres
آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لَحِقَها من أعمال (١٦)
جَوابُ الاعتراضاتِ المصريَّة على الفُتْيَا الحَمَويَّة (قطعةٌ منهُ تُطْبَعُ لأوَّلِ مَرَّةِ)
تأليف: شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية (٦٦١ - ٧٢٨ هـ)
تحقيق: محمد عزير شمس
إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
المقدمة / 1
راجَعَ هذا الجزء
سعود بن عبد العزيز العريفي
جديع بن محمد الجديع
المقدمة / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فنقدِّم اليوم جزءًا من كتاب من أهم كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، كان في عداد المفقود، فلم يعثر عليه الباحثون والمهتمون بآثار الشيخ من قبل. وقد منَّ الله علينا بالعثور على قطعةٍ منه مصوَّرةٍ عن إحدى مكتباتِ باكستان، ووجدَ أخونا المحقق أبو الفضل القونوي قطعة أخرى منه في إحدى مكتبات تركيا، ولا نعرف عن بقية الكتاب شيئًا في مكتبات العالم، على كثرة البحث والتنقيب عنها في الفهارس، وزيارة مكتبات بلدانٍ عديدة والاطلاع على محتوياتها.
وقد قمنا بتحقيق ما وصل إلينا منه، على المنهج الذي ارتضيناه وسرنا عليه في سائر ما أخرجناه من تراث شيخ الإسلام في هذا المشروع المبارك. ولكثرة الأخطاء والتحريفات الموجودة في القطعتين لم نُشِر إليها جميعًا في الهوامش، واستدركنا بعض السقط بمراجعة كتب الشيخ الأخرى أو بالتأمل في سياق الكلام.
وهذه بعض الفصول التي تتحدث عن أصل الكتاب ومناسبة تأليفه، وتحقيق عنوانه، وبيان محتوياته وأهميته، ووصف النسختين اللتين عثرنا عليهما، أرجو أن تكون نافعةً إن شاء الله.
* الفتيا الحموية وأثرها:
في أوائل سنة ٦٩٨ ورد على الشيخ سؤال من أهل حماة، يسألونه
المقدمة / 5
فيه عن الآيات والأحاديث الواردة في الصفات، فكتب جوابًا ذكر فيه مذهب السلف ورجحه على مذهب المتكلمين، وكتب هذا الجواب في جلسةٍ بين الظهر والعصر، كما ذكر ذلك الشيخ نفسه في مقدمة بيان تلبيس الجهمية (١/ ٤): "كنتُ سئلتُ من مدة طويلةٍ، بُعيدَ سنة تسعين وستمئة (^١) عن الآيات والأحاديث الواردة في صفات الله، في فتيا قدمتْ من حماة، فأحلتُ السائلَ على غيري، فذكر أنهم يريدون الجواب مني لابدَّ، فكتبتُ الجوابَ في قعدةٍ بين الظهر والعصر، وذكرتُ فيه مذهب السلف والأئمة المبني على الكتاب والسنة".
سُمِّيت هذه الفتيا بالحموية نسبةً إلى حماة، وانتشرت في البلاد، واشتهر أمرها، وأثارت ضجة في أوساط المتكلمين، وامتُحِن الشيخ بسببها محنةً عظيمة في دمشق، وكانت من أوائل المحن التي تعرَّض لها في حياته. وكان الشيخ قبل ذلك بقليل أنكر أمر المنجمين (^٢)، واجتمع بسيف الدين جاغان في ذلك في حال نيابته بدمشق وقيامه مقام نائب السلطة، فامتثل أمره وقبِلَ قوله، والتمس منه كثرةَ الاجتماع به، فحصل بسبب ذلك ضيقٌ لجماعة، مع ما كان عندهم قبل ذلك من كراهية الشيخ وتألُّمهم لظهوره وذكرِه الحسن. فانضاف شيء إلى أشياء، ولم يجدوا مساغًا إلى الكلام فيه لزهده وعدمِ إقباله على الدنيا، وترك المزاحمة على المناصب، وكثرة علمه، وحُسْن أجوبته وفتاويه، وما يظهر فيها من
_________
(^١) ذكرت المصادر أنه وقع ذلك في أول شهر ربيع الأول من سنة ٦٩٨. انظر العقود الدرية (ص ١٩٨) والبداية والنهاية (٤/ ١٤) والدرر الكامنة (١/ ١٥٥) وغيرها.
(^٢) انظر مجموع الفتاوى (٣٥/ ١٧٢)، حيث ناقش زعماءهم وبيَّن فساد صناعتهم بالأدلة العقلية التي يعترفون بصحتها.
المقدمة / 6
غزارة العلم وجودة الفهم.
فعمدوا إلى الكلام في العقيدة لكونهم يرجّحون مذهب المتكلمين في الصفات والقرآن على مذهب السلف، ويعتقدونه الصواب، فأخذوا الجواب الذي كتبه الشيخ، وعملوا عليه أوراقًا في ردّه، ثم سعوا السعي الشديد إلى القضاة والفقهاء واحدًا واحدًا، وأغروا خواطرهم، وحرَّفوا الكلام، وكذبوا الكذب الفاحش، وجعلوه يقول بالتجسيم - حاشاه من ذلك - وأنه قد أوعزَ ذلك المذهب إلى أصحابه، وأن العوامّ قد فسدت عقائدهم بذلك. ولم يقع من ذلك شيء والعياذ بالله. وسعوا في ذلك سعيًا شديدًا، فوافقهم جلال الدين الحنفي قاضي الحنفية يومئذٍ على ذلك، ومشى معهم إلى دار الحديث الأشرفية، وطلب حضورَه، وأرسل إليه فلم يحضر، بل أجابه الشيخ بقوله: إن العقائد ليس أمرُها إليك، وإن السلطان إنما ولّاك لتحكم بين الناس، وإن إنكار المنكرات ليس مما يختصُّ به القاضي.
فلما وصل إلى القاضي هذا الجواب غضب، وأمر بأن ينادى في البلد ببطلان عقيدته، لكن الأمير سيف الدين جاغان أرسل طائفةً إلى المنادي، فضُرِب ومن كان معه، وأمر الأمير بطلب من سعى في ذلك فاختفوا.
ولما هدأت الأمور جلس الشيخ يوم الجمعة ثالث عشر ربيع الأول، وكان تفسيره في درسه لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)﴾ [القلم: ٤]، وذكر الحلم وما ينبغي استعماله، وكان درسًا عظيمًا.
ثم اجتمع الشيخ بعد ذلك بالقاضي الشافعي إمام الدين القزويني، وواعده لقراءة جزئه الذي أجاب فيه، أي "الحموية"، فاجتمعوا يوم
المقدمة / 7
السبت رابع عشر الشهر - من الصباح إلى الثلث من الليل - ميعادًا طويلًا مستمرًّا، وقُرئت فيه جميع العقيدة، وبيَّن مرادَه من مواضع أشكلت. ولم يحصل إنكار عليه من الحاكم ولا ممن حضر المجلس، بحيث انفصلَ عنهم والقاضي يقول: كلُّ من تكلَّم في الشيخ يُعزَّر. ورجع الشيخ إلى داره في ملأ كثير من الناس، وعندهم استبشار وفرح به. وهو في كل ذلك ثابت الجأش قوي القلب، واثق بالنصر الإلهي، لا يلتفت إلى نصر مخلوق، ولا يُعوِّل عليه.
وكان سعيهم في حقه أتمَّ السعي، لم يبقوا ممكنًا من الاجتماع بمن يرتجون منه أدنى نصر لهم، وتكلموا في حقه بأنواع الأذى وبأمور يستحي الإنسان من الله أن يحكيها فضلًا عن أن يختلقها ويُلفِّقها. فلا حول ولا قوة إلّا بالله (^١).
ولما لم ينجح المخالفون للشيخ في هذه المعركة، بل زادت منزلته لدى الخاصة والعامة، لجأوا إلى التأليف في الردَّ عليه وعلى فتياه "الحموية"، فألَّف شهاب الدين أحمد بن يحيى المعروف بابن جَهْبَل الحلبي الشافعي (ت ٧٣٣) رسالةً (^٢) في ذلك قصد بها الرد على "الحموية"، وقد كانت رسالته هذه عمدة من جاء بعده، مثل محمد سعيد المدراسي الهندي الشافعي (ت ١٣١٤) في كتابه "التنبيه بالتنزيه" الذي أدرج فيه رسالة ابن جَهْبل الحلبي بتمامها. وقد ردَّ عليها الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى النجدي (ت ١٣٢٧) في كتابه "تنبيه النبيه
_________
(^١) ذكر هذه المحنة البرزالي في تاريخه، ونقل عنه ابن عبد الهادي في العقود الدرية (ص ١٩٨ - ٢٠٢).
(^٢) ساقها السبكي في طبقات الشافعية (٩/ ٣٥ - ٩١).
المقدمة / 8
والغبي في الردّ على المدراسي والحلبي".
وممن ألف في الردِّ على "الحموية": القاضي شمس الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السَّرُوجي المصري الحنفي (ت ٧١٠)، وهو الذي أشار إليه الشيخ في بيان تلبيس الجهمية (١/ ٦ - ٧) ووصفه بأفضل القضاة المعارضين. ولم يصل إلينا كتابه. وقد ردَّ عليه شيخ الإسلام بالكتاب الذي بين أيدينا قطعة منه، وسماه "جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية"، وقد كان كتابًا كبيرًا في أربعة مجلدات.
* عنوان هذا الكتاب وموضوعه:
ذكره ابن رشيق (^١) وابن عبد الهادي (^٢) بعنوان "جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية"، وبحذف كلمة "جواب" عند الصفدي (^٣) وابن شاكر الكتبي (^٤). وذكره ابن رجب (^٥) بالعنوان المعروف ولكنه قال " ... الفتاوى الحموية"، وتابعه العليمي (^٦). وحذفُ كلمة "جواب" من العنوان الكامل يوهم أنه مجرد سرد للاعتراضات على الفتيا دون الجواب المفصل عنها، كما أن "الفتاوى" بصيغة الجمع خلاف الواقع، فإن "الحموية" فتوى مفردة وليست فتاوى متعددة. ولذا فالعنوان الكامل
_________
(^١) في أسماء مؤلفات شيخ الإسلام (ص ٢٩٤ ضمن "الجامع لسيرة شيخ الإسلام").
(^٢) في العقود الدرية (ص ٢٩)، ومختصر طبقات علماء الحديث (ضمن "الجامع" ص ٢٥٦).
(^٣) انظر: "الجامع" (ص ٣٥٣، ٣٥٤، ٣٧٦).
(^٤) المصدر السابق (ص ٣٩١).
(^٥) ذيل طبقات الحنابلة (٢/ ٤٠٣).
(^٦) في المنهج الأحمد، والدر المنضد. انظر الجامع (ص ٦١٨، ٦٠٩).
المقدمة / 9
للكتاب هو الذي ذكره ابن رشيق وابن عبد الهادي.
وقد ذكر شيخ الإسلام مناسبة تأليفه وعنوانه وبعض الموضوعات التي تناولها فيه في عدد من مؤلفاته، فقال في "بيان تلبيس الجهمية" (١/ ٦ - ٧): "اعترض قولم عليَّ في (^١) هذه الفتيا [الحموية] بشبهاتٍ مقرونة بشهوات، وأوصل إليَّ بعض الناس مصنَّفًا لأفضل القضاة المعارضين، وفيه أنواع من الأسئلة والمعارضات، فكتبتُ جواب ذلك وبسطتُه في مجلدات". وسماه (١/ ٨) "الجواب عن الاعتراضات المصرية الواردة على الفتيا الحموية"، واعتبر "بيان تلبيس الجهمية" تتمة له في هذا الباب.
ويفيدنا هذا النصّ أن الكتاب جواب لتأليف أحد القضاة الذي يصفه المؤلف بأفضل القضاة المعارضين، وتدلُّنا مخطوطة القطعة الثانية أن المقصود به القاضي السَّروجي، وهو شمس الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السَّرُوجي الحنفي، قاضي القضاة بمصر، المتوفى سنة ٧١٠، ويؤكِّد ذلك ابن كثير فيقول (^٢): "له اعتراضات على الشيخ تقي الدين بن تيمية في علم الكلام أضحك فيها على نفسه، وقد ردَّ الشيخ تقي الدين عليه في مجلدات، وأبطل حججه". وأشار إليه المقريزي وابن حجر والتميمي وابن تغري بردي في ترجمة السَّروجي (^٣). فكتاب السَّرُوجي هذا كان في الرد والمناقشة وإيراد
_________
(^١) في المطبوعة: "على خفي"، وهو تحريف.
(^٢) البداية والنهاية (١٤/ ٦٠).
(^٣) المقفى (١/ ٣٤٨) والسلوك (٢: ١/ ٩٤) والدرر الكامنة (١/ ٩٢) والنجوم الزاهرة (٩/ ٢١٣) والطبقات السنية (١/ ٢٦١).
المقدمة / 10
الأسئلة والاعتراضات على الفتيا الحموية، فردَّ عليه شيخ الإسلام في مجلدات. ووصفه ابن رشيق وابن عبد الهادي وغيرهما بأنه في أربع مجلدات، وزاد في العقود الدرية (ص ٢٩): "وبعض النسخ منه في أقلّ، وهو كتاب غزير الفوائد سهل التناول".
ونظرًا إلى كثرة فوائده وغزارة مادته أحال عليه المؤلف في كتبه الأخرى للبسط والتفصيل، وهذه بعض النصوص التي اطلعت عليها:
قال في كتاب "الاستقامة" (١/ ١٣٩) بعد ما ذكر مسألة قرب الربّ من عباده ومسألة علوّه: "هذه المسألة والتي قبلها كبيرتان، ذكرناهما في غير هذا الموضع، مثل "جواب الاعتراضات المصرية" وغير ذلك.
وذكر في "التسعينية" مسألة القرآن وما وقع فيها بين السلف والخلف من الاضطراب والنزاع، وما كتب المؤلف حولها في عددٍ من مؤلفاته، وقال (١/ ٢٣٠): "وقد كتبتُ جملًا من الكلام في ذلك في جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية".
وبعد ما ذكر نصوص الكتاب والسنة في موضوع علو الربّ وقربه من داعيه قال في "مجموع الفتاوى" (٥/ ٢٤٠): "وقد بسطنا الكلام على هذه الأحاديث ومقالات الناس في هذا المعنى في جواب الأسئلة المصرية على الفتيا الحموية".
وقد أحال عليه كثيرًا في بيان تلبيس الجهمية (^١)، فبالإضافة إلى مقدمته وبيان مناسبة تأليفه التي سبق نقل عبارته فيها، يذكر أن جميع السلف من القرون الثلاثة والأئمة المتبوعين وغيرهم "كلهم يقولون
_________
(^١) لم يذكر المحققون في فهارس الكتاب (ص ٢٤٩) إلّا موضعين فقط!!
المقدمة / 11
بإثبات العلو لله على العرش واستوائه عليه دون ما سواه، ويضللون من يفسِّر ذلك بالاستيلاء والقهر ونحوه، كما حكينا بعض أقوالهم في جواب الاستفتاء، وفي جواب هذه المسائل المُورَدة عليه" (١/ ٢٣٤).
أراد بجواب الاستفتاء "الفتوى الحموية"، وبجواب المسائل الموردَة عليه: "جواب الاعتراضات المصرية .. " الذي نحن بصدده.
وقال في (٥/ ٤٥٧): "ونحن لا نقصد الكلام في إثبات التأويل في الجملة ولا نفيه، ولا وجوب موافقة الظاهر مطلقًا ولا مخالفته، إذ في هذا تفصيل وكلام على الألفاظ المشتركة، كما قد تكلمنا على ذلك في جواب الاعتراضات المصرية على الفتوى الحموية وفي غير ذلك".
وأشار إلى هذا الكتاب في بعض المواضع بقوله: "الأجوبة المصرية"، قال (٦/ ١١١): "وهذا الكلام الذي نقله عن أبي حامد، ذكره لما تكلَّم عن مراتب التأويلات واختلاف الناس فيها، وقد تكلمنا على ما ذكره في ذلك في الأجوبة المصرية وغيرها".
وقال (٦/ ١١٩): "وقد تكلمنا على هذا الكلام وما فيه من مردود ومقبول، وما فيه من عزل الرسول ﷺ عزلًا معنويًّا، وإحالة الخلائق على الخيالات والمجهولات، وفتح باب النفاق، وبيَّنَّاه في الأجوبة المصرية".
وفي أثناء الكلام في مسألة قرب الربّ من عبده قال (٦/ ٢٦٥): "وقد بسطنا الكلام على هذا في الأجوبة المصرية".
وقال (٦/ ٤٨٠): "وهذا الكلام قد نبهنا عليه غير مرة في هذا وفي الأجوبة المصرية وفي جواب المسألة الصرخدية وغير ذلك، في بيان
المقدمة / 12
شبهة التركيب والتجسيم، وشبهة التشبيه، والاتفاق والاشتراك بين الموجودين يكون في مراتب الوجود الأربعة ... ".
وقال (٦/ ٤٨٧): "وقد بسطنا الكلام على هذا في الأجوبة المصرية، وبينا أن الله ليس كمثله شيء بوجه من الوجوه، فيجب أن ينفى عنه المثل مطلقًا ومقيدًا، وكذلك الندّ والكفو والشريك ونحو ذلك من الأسماء التي جاء القرآن بنفيها ... ".
والموضع الأخير الذي أشار إليه عندما تحدث عن التركيب والتجسيم والمعنى الصحيح لهما، فقال (٧/ ٥٧١): "ولولا أنا قدَّمنا أصل هذا الكلام في الحجج العقلية لبسطناه هنا، وقد بسطناه أيضًا في جواب المعارضات المصرية".
رأينا في النصوص السابقة أن المؤلف تناول في الكتاب موضوعات عديدة تتعلق بصفات الله ﷾، وفصَّل فيها كلَّ تفصيل، حتى بلغ الكتاب أربع مجلدات. وهو من الكتب المهمة لشيخ الإسلام، ولذا أكثر من الإحالة عليه كلّما جاءت مناسبة. وذكره بعنوانِه أو وصفَه بما يقاربه ويدلُّ على موضوعه، فتارةً سماه بالعنوان المعروف، وتارةً قال: "جواب الأسئلة المصرية" أو "جواب المعارضات المصرية" أو "الأجوبة المصرية"، وأشار به إلى الكتاب الذي بين أيدينا جزء منه. وهذا منهجه المعروف في تسمية كتبه والإشارة إليها، فلا غرابة في ذلك.
* محتوياته وأهميته:
ذكرنا فيما سبق أن الكتاب كان في أربعة مجلدات، ويُعدّ من المؤلفات الكبار للشيخ، وقد أحال عليه في كتبه الأخرى، ويعتبر "بيان تلبيس الجهمية" تتمة لمباحثه. وكتابٌ هذا شأنه لابدّ أن يكون من أهمّ
المقدمة / 13
مؤلفاته في باب العقيدة، وبيان مذهب السلف في الصفات، والدفاع عنه. ويُستنبط من الإحالات العديدة عليه تنوعُ مباحثه وتوسُّع الشيخ في تناولها.
ولا يمكن لنا الآن وصفه وبيان جميع محتوياته، لأن أغلب الكتاب لا زال في عداد المفقود، وإنما نستعرض هنا محتويات القطعتين اللتين حصلنا عليهما، ونبين أهمية المباحث التي توجد فيهما.
أما القطعة الأولى فتبدأ بذكر جواب المعترض عن الأحاديث التى يُحتج بها في إثبات الصفات، من أربعة وجوه:
أحدها: أنها أخبار آحادٍ، لا تُفيد العلمَ بل تُفيد الظن.
الثاني: أنها ليست نصوصًا في ذلك، بل هي ظاهرة قابلةٌ للتأويل.
الثالث: أن السلف تأوَّلوا كثيرًا منها، ومنهم ابن عباس الذي روي عنه تأويل عدد من الآيات.
الرابع: أن الأدلة العقلية عارضتْها، فيجب تأويلها.
قام المؤلف بعد ذلك بالردَّ على كل وجه بتفصيل. أما قوله: "أخبار آحاد لا تُفيد العلمَ" فكان جوابه من ثلاثة طرق:
١) بيان موافقة الأحاديث والآثار للقرآن وتفسيرها له.
٢) بيان وجوب قبولها.
٣) بيان صحة الاعتقاد الراجح بها.
وقد توسع في الجواب عن الشبهة السابقة وبيَّن اتفاق القرآن مع الحديث، وضرورة الاستدلال على معاني القرآن بما رواه الثقات
المقدمة / 14
الأثبات بدلًا من الأخذ عن أهل البدع أو بعض أهل العربية الذين يتكلمون بنوع من الظن والهوى، وقارنَ بين الاستشهاد على معاني القرآن بألفاظ الرسول ﷺ وألفاظ الصحابة والتابعين وبين الاستشهاد بشعرٍ لم يُروَ بإسناد ولم يُعرف قائله. وتوصَّل إلى بيان استقامة هذه الطريق (طريق الاحتجاج بالآثار) وأنه لا طريق يقوم مقامها. وأطال في بيان ذلك من وجوه متعددة، وبيانِ فساد الطرق الأخرى في فهم معاني القرآن وتفسيره. وذكر أن من عَدَل عن التفسير المأثور فأحد الأمرين لازمٌ له: إما أن يَعدِل إلى تفسيره بما هو دون ذلك، فيكون محرِّفًا للكلم عن مواضعه، وإما أن يبقى أصمَّ أبكم لا يسمع من كلام الله ورسوله إلَّا الصوتَ المجرد، وكل من هذين باطل. ثم بيَّن وجهَ بطلانهما.
ثم انتقل إلى النقطة الثانية، وهي بيان وجوب قبول الأخبار الصحيحة، فقسَّم الأخبار ثلاثة أقسام: متواتر لفظًا ومعنىً، ومستفيض متلقًّى بالقبول، وخبر الواحد العدل الذي يجب قبوله. وتكلَّم عن كل قسم بتفصيل، وبيَّن إفادته العلم.
ثم انتقل إلى بيان صحة الاعتقاد الراجح بها، وأنه لا فرق فيها بين المسائل العلمية والخبرية، ولا يُردُّ الخبر في باب من الأبواب سواءً كانت أصولًا أو فروعًا بكونه خبرَ واحد.
إلى هنا كان الجواب عن السؤال الأول الوارد في أول الكتاب. ثم بدأ (ص ٥٤) في الجواب عن السؤال الثاني، وهو قوله: "ليست الأحاديث نصوصًا في ذلك، بل هي ظاهرة قابلة للتأويل". وقد أجاب عنه أولًا بجواب مجمل ثم بجواب مفصل. وأنكر أن يكون في القرآن أو الأحاديث الثابتة ما ظاهره ممتنعٌ في العقل، ولا يقدر أحدٌ أن يأتي
المقدمة / 15
بحديثين صحيحين متعارضين، والذين ردُّوا بعض الأحاديث الثابتة أو أوَّلوها في زمن الصحابة اجتهدوا في طلب الحق وإن أخطأهم، فنوسع لهم الاعتذار والاستغفار. ثم ذكر بعض الأمثلة على ذلك، منها حديث: "إن الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه" (ص ٥٩ - ٧٤)، وحديث عمار في التيمم (ص ٧٤ - ٧٥)، وبعض أحاديث أبي هريرة وفاطمة بنت قيس وبَرْوع بنت واشق وغيرها. وقال في آخره: ما علمنا أحدًا من الصحابة والتابعين ردُّوا حديثًا صحيحًا وتأوَّلوه على خلاف مقتضاه، لمخالفة ظاهر القران في فهمهم أو لمخالفة المعقول أو القياس، إلّا كان الصواب مع الحديث ومن اتبعه، فكيف بمن بعدَهم؟ !
ثم تحدث عن خاصية أبي بكر الصديق، فإنه لم يُعرف له فتوى ولا كلام يخالف شيئًا من الأحاديث، وكان يبيِّن للصحابة معاني النصوص إذا اعتقدوا في ظاهرها ما لا يدلّ عليه، وذكر أمثلة على ذلك. وفي أثنائه تكلم عن علاقة القرآن بالسنة، والتحديث لأهل الأهواء والبدع، ومعنى العبادة وكيف تختلف عن العادة.
ثم عقد فصلًا تكلم فيه عن معنى التأويل عند السلف وعند المتأخرين، وبيان المذموم منه، وذكر أن من اعترض على السنة والجماعة بنوعِ تأويل: قياس أو ذوق أو تأويل منه خالف به سنة رسول الله ﷺ، ففيه شوبٌ من الخوارج.
أما الاعتراض الثالث: "أن السلف تأولوا كثيرًا من الأحاديث والآيات" فذكر الجواب عنه من وجوه، منها: أنه إذا كان المراد بالسلف الصحابة فهذا النقل عنهم باطل، لم يتأوَّل أحدٌ من الصحابة قطّ شيئًا من آيات القرآن التي ظاهرها أنها صفة لله تعالى. وكذلك الأمر في التابعين.
المقدمة / 16
ولا يصحُّ في ذلك عن ابن عباس أو غيره شيء.
وفي الأخير جاء إلى الأمر الرابع وهو قوله: "عارضتها الأدلة القطعية فيجب تأويلها"، وردَّ عليه من وجوه عديدة، منها: أنه لم يعارضها دليلٌ قطعيٌّ قطُّ، وأن ما هو مدلولها لم ينفِه العقل، والذي نفاه العقلُ ليس مدلولَها. ثم تكلَّم على قولهم: إن إثبات الصفات ظاهرها التجسيم، وبيَّن أن نفي المثل عنه والسميّ والمساوي يقتضي نفيَ ذلك في كل شيء، وذكر ما بين الأسماء من التواطؤ والافتراق، وما بين مدلولها من التباين والاشتباه.
وأما القطعة الثانية: فهي خاصة بالكلام على حديث "خلق آدم على صورته" و"على صورة الرحمن"، فذكر أنه مروي بألفاظ متنوعة، ولم يكن في السلف من تأوله، ولكن بعض علماء أهل السنة تأولوه، أو تركوا روايته لأسباب أخرى، كما يُذكر عن الإمام مالك. ثم ذكر طرق الحديث ومن رواه من الأئمة مثل الليث بن سعد ويحيى بن سعيد القطّان ومعمر وعبد الرحمن بن مهدي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وذكر قول الإمام أحمد والحميدي وغيرهما في تصحيحه، وإنكارهم على أبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ ممن تأوَّل هذا الحديث، ونقل نصوصًا مهمة من "مناقب الإمام إسماعيل بن محمد التيمي" لأبي موسى المديني و"الفصول من الأصول عن الأئمة الفحول" لأبي الحسن بن الكرجي و"تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة، وردَّ على التأويلات الباطلة للحديث.
هذا عرض موجز لأهمّ الأبحاث التي توجد فيما وصل إلينا من هذا الكتاب، ونظرًا إلى أهميته وما فيه من مناقشات قوية اعتمد عليه تلميذ
المقدمة / 17
المؤلف الإمام ابن القيم في "الصواعق المرسلة"، فهو ينقل عنه نصوصًا عديدة من القطعة الأولى (^١)، وينسبها أحيانًا إلى شيخه ويُغفِل نسبتها أخرى، على طريقة استفادته من كتب شيخ الإسلام.
* وصف النسخة الخطية:
وصلت إلينا قطعتان من الكتاب، وفيما يلي وصفهما:
الأولى: في مكتبة الشيخ محب الله شاه الراشدي في السند بباكستان، وقد كتب على صفحة العنوان: "من كلام الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني في أثناء كتابه المسمى بالأسولة المصرية في الاعتراضات على الفتيا الحموية، فيما يتعلق ببيان الحق الصريح في الاستدلال بأحاديث رسول الله ﷺ، حيث أشار المعترض في اعتراضاته إلى القدح في ذلك الموطن بأنها أخبار لا تفيد العلم بل تفيد الظن، وذكر وجوهًا من الاعتراضات بمقتضى علمه واجتهاده في هذا الموضع. ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم".
وهذه القطعة في ٤٥ ورقة، وفي كل صفحة منها ٢٧ سطرًا، وقد كُتبت في القرن الثاني عشر، كما جاء في آخرها بخط الناسخ: "كتب هذه الأحرفَ العبدُ الفقير الراجي الشفاعةَ من سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام عبد الغني بن خليل اللطفي الحسيني المقدسي، غفر الله له ولوالديه ولمن نظر في هذا الكتاب ودعا له ولوالديه وللمسلمين
_________
(^١) انظر مختصر الصواعق المرسلة (ص ٤٣٩ - ٤٤١، ٤٤١ - ٤٤٧، ٤٤٧ - ٤٤٩، ٤٥٣ - ٤٥٥، ٤٦٤ - ٤٦٦، ٤٦٧ - ٤٦٦) طبعة بيروت ١٤٠٥.
المقدمة / 18
بالمغفرة. وذلك في اليوم الثامن عشر من شهر شوال سنة ثمانية (كذا) وعشرين ومائة وألف من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والتحية. تمَّ ذلك بعون الله وحسن توفيقه، والله أعلم".
والنسخة بخط نسخي جيّد، ويبدو أنها مقابلةٌ على الأصل، لوجود التصحيحات في الهوامش، ولكن فيها أخطاء وتحريفات في مواضع كثيرة، وفيها سقط للكلمات في بعض المواضع لا يستقيم الكلام بدونها. والنسخة المصورة التي عندي كانت ضمن مصوَّرات أخي الفاضل المحقق حافظ ثناء الله الزاهدي، وفي بعض صفحاتها طمس واهتزاز عند التصوير، فلم تتضح الكلمات وبعض الأسطر ولم تُقرأ إلّا بصعوبة بالغة.
وكانت هذه النسخة في ملك الإمام المحدث الأثري صالح بن محمد الفُلَّاني (^١) (ت ١٢١٨)، كما أثبتَ ذلك بخطه على صفحة العنوان، حيث كتب: "ملكَه الفقير صالح بن محمد الفلّاني العمري المسوفي". وربما تكون بعض التصحيحات على النسخة بقلمه.
وبعد انتهاء الكتاب توجد في آخر النسخة بعض الفوائد والنقول المتعلقة بشيخ الإسلام ابن تيمية، نقلها الناسخ من بعض المصادر أو من الأصل المنقول عنه.
الثانية: في مكتبة قره حصار بتركيا، برقم ١٧٥١٧/ ٤ (الورقة ٧٠ - ٧١)، كتبت سنة ٧٣٦ (^٢)، وقد اطلع عليها أخونا البحاثة
_________
(^١) انظر ترجمته في فهرس الفهارس والأثبات (٢/ ٩٠١).
(^٢) كما في معجم المخطوطات الموجودة في مكتبات إستانبول وأناطولي =
المقدمة / 19
أبو الفضل القونوي ووصفها بقوله: (وقفتُ عليها في مجموع نُسِخَ بعضُه سنة ٧٣٦، وهي نسخة مكتبة كديك أحمد باشا في مدينة أفيون رقم ١٧٥١٧، وقد نُقِلت هي وبقية محتوى المكتبة إلى المكتبة الوطنية بأنقرة. وفي هذا المجموع من كتب شيخ الإسلام: الفتيا الحموية، ومسائل عن آيات الصفات وأحاديثها، مثل قول السائل: هل في آيات الصفات ناسخٌ ومنسوخ؟ وفيه شرح حديث النزول، وهو مطبوع، ومسألة القبح والحسن العقليين، ومسألة في الاستواء وغيره، ودعوة ذي النون، ومسألة عصمة الأنبياء ...).
قلت: وقد اطلعتُ على مصورتها، فوجدتها بخط نسخي جيد، وهذه القطعة خمس ورقات (ق ٧٠ ب - ٧٥ أ)، وعدد الأسطر في كل صفحة ٢٧ سطرًا. والنسخة مصححة ومقابلة على الأصل، وقد نُقِلت من خط شيخ الإسلام، كما صرَّح به الناسخ في آخر النسخة، فقال: "نقلتُه من خط شيخ الإسلام مؤلفه ﵀ ورضي عنه - وبقي منه قائمة ووجه وقليل من الوجه الآخر، في ثالث شهر جمادى ... ".
أما ناسخ هذه القطعة ورسائل أخرى ضمن هذا المجموع فقد وصلت إلينا بخطه رسائل عديدة من مؤلفات الشيخ، يذكر فيها اسمه ونسبه. وقد ذكر أخونا أبو الفضل القونوي أنه تلميذ لشيخ الإسلام وإن لم تذكره المصادر، ثم قال ما يلي:
يبدو أن ناسخ هذا المجموع - وفيه خط ناسخ غيره - كان من تلاميذه الذين اضطروا لضعف جانبهم وفقرهم إلى الانكفاء على
_________
= (ص ١٣١).
المقدمة / 20
أنفسهم.
واسمه كما كتبه في موضع: (ووافق الفراغ من تعليقه يوم الخميس سادس عشري شهر رجب من شهور سنة اثنتين وثلاثين وسبعمئة، كتبه الفقير إلى رحمة ربه الكبير العبد الضعيف المقصر المخطئ المسيء: أيوب (^١) بن أيوب بن صخر بن أيوب بن صخر بن خالد بن وثيق بن أبي الحسن بن بقاء بن مساور العامري ..) ثُمَّ ذكر تاريخ مقابلتها فقال: (قوبلت على أصلها فصحت على حسب الطاقة في مجالس آخرهن رابع عشر شهر شعبان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمئة). فقد نسخها بعد وفاة شيخ الإسلام سنة ٧٢٨.
ويفهم من اسمه أنه عربي المحتِدِ، فهو عامري، ومن ذكرِه مكان النسخ حمص أنه من أهلها، ولا يعلم متى توفي، غير أنه كان حيًا سنة ٧٣٦.
ويبدو أنه كان صديقًا لابن رشيق، الذي ذكره في موضع وقال: (نقل من خط الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، بحضور ترجمانه ولسان قلمه الشيخ شمس الدين أبي عبد الله بن رشيق، والمقابلة عليه، وهو ممسك بأصل الشيخ ﵀ والشيخ سليمان يقرأ، وذلك في ثالث شهر جمادي الأولى من سنة ست وثلاثين وسبعمئة).
ويفهم من بيتين كتبهما أنه كان فقيرًا مثله، والبيتان قوله:
_________
(^١) قلت: بعض المخطوطات التي اطلعتُ عليها وجدتُ فيها اسمه واسم أبيه وجدّ أبيه ما يُشبه "ليون" بدل أيوب، فليحرر.
المقدمة / 21
أيا قارئًا خطي سألتك دعوة ... إلى الله في عبدٍ مقرٍّ بذنبهِ
عساه يسامحني ويغفر زلتي ... ويرزقني رزقًا مقيمًا بأهلهِ
ويزيد المتأمل من كونه تلميذًا لأبي العباس بن تيمية ما كتبه في نسخته من (الحموية الكبرى) التي عنون لها بالقول: (المعارج الروحية، القاصدة لمعرفة رب البرية، بالأدلة والنصوص القطعية، والآثار السلفية، المودعة في الفتيا الحموية، إملاء الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية) وتاريخ الفراغ من نسخها السابع والعشرون من رجب ٧٣٠، وقوله: (... غفر الله له ولمن أجاب بها، ولمن تأملها، وأنصف فيها، وامتثل منها ما يجب، وأعرض عن الأهواء والريب، ولسائر المسلمين آمين آمين)، وما قاله قبل شرح حديث النزول الإلهي، من تعبيرات المديح التي يغلب على الظن أنها كلمات هذا التلميذ المحب لشيخه، إذ كانت النسخة التي استنسخ منها هي بخط المؤلف، قال: مسألة سئلها الشيخ الإمام شيخ الإسلام بقية السلف الكرام، قدوة الخلف، فريد عصره ووحيد دهره العالم الرباني المقذوف في قلبه النور الإلهي، موضح المشكلات، مزيل الشبهات بما أيده الله من فهم الآيات البينات والبراهين القاطعات، تقي الدين ... فأجاب عن أسرار الحديث، وأقوال العلماء، وأزاح كل مشكل، وأبان الحق في ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الجهابذة الأئمة، وبين في ذلك غلط الغالطين، وحذر فيه من زيغ الزائغين، ونفَّر من تشكيك الشاكين، وحث على سلوك طريق السلف الصالح، من الصحابة ومن بعدهم من التابعين، وقوَّى جانب الاتباع، وزيف أقوال أهلى الأهواء والابتداع، في سائر الأزمان والدهور ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور/ ٤٠].
المقدمة / 22