Response on Faith and its Nullifiers

Abd al-Rahman bin Nasir al-Barrak d. Unknown

Response on Faith and its Nullifiers

جواب في الإيمان ونواقضه

Publisher

دار التدمرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٧٣ هـ - ٢٠١٦ م

Genres

جواب في الإيمان ونواقضه لفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك اعتنى به عبدالرحمن بن صالح السديس

1 / 4

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلَّى الله على عبدِه ورسولِه وخاتمِ أنبيائه ورسلِه محمدٍ وآله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا، أما بعد: فهذا كتاب «جواب في الإيمان ونواقضه» أملاه فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله، فيه تحريرٌ موجزٌ مركَّزٌ لقضايا الإيمان ونواقضه في مذهب أهل السنة والجماعة، وهو كتابٌ لطيفٌ في حجمه، كبيرٌ في معناه. يعاد طبعه اليوم بإخراجٍ جديد، بعد نفادِ نسخِه، وكثرةِ سؤال الناس عنه. وقد اعتنيتُ بتخريج أحاديثه ونقل كلام العلماء عليها تصحيحًا وتضعيفًا، وعزو ما يحتاج لعزو، وكتبتُ تعليقات يسيرة؛ كـ: بيان معنى، أو دليل قول، ونحوها من الفوائد.

1 / 5

وضبطتُ طائفة من كلماته بالحركات، واعتنيت بعلامات الترقيم، ووضعت فهرسًا لمسائله. وحلَّيته ببعض التعليقات من شرح المؤلف له (١) ومِن كتبه الأخرى. وألحقتُ بآخره ثلاث فتاوى للمؤلف رأى أهمية إلحاقها لمناسبتها لبعض مواضعه. ثم قرأتُ الكتاب على الشيخ - حفظه الله ـ؛ فعدَّل وأضاف في مواضع يسيرة، تزيد المعنى وضوحًا. كتبه عبد الرحمن بن صالح السديس الرياض/هاتف/٠٥٠٨٠٣٢٢٤٠ assdais@gmail.com ١٥/١١/١٤٣٦ هـ

(١) هو شرح صوتي، وقد عدَّلت في صياغة بعضها بما يناسب المكتوب، ثم قرأتها على المؤلف.

1 / 6

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي مَنَّ على من شاء بالإيمان، وصلَّى الله على عبده ورسوله وآله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا، أما بعد: فقد سأل بعضُ طلاب العلم عن مسألة كثُر فيها الخوض في هذه الأيام (١)، وصورة السؤال: هل جنس العمل في الإيمان شرطُ صحةٍ أو شرطُ كمالٍ، وهل سوءُ التربية عذرٌ في كُفر مَن سبَّ اللهَ أو رسولَه؟ والجوابُ: أن يُقال: دلَّ الكتابُ والسُّنة على أنَّ «الإيمانَ» اسمٌ يشمل:

(١) كان هذا في عام ١٤٢٢ هـ، وأملى المؤلف حفظه الله هذا الجواب على الشيخ الفاضل أ. د. علي الصياح، حفظه الله.

1 / 7

١ - اعتقادَ القلبِ؛ وهو تصديقُه، وإقرارُه. ٢ - عملَ القلبِ؛ وهو انقيادُه، وإرادتُه، وما يتبعُ ذلك مِن أعمالِ القلوبِ؛ كالتوكلِ، والرجاء، والخوف، والمحبة. ٣ - إقرارَ اللسانِ. ٤ - عملَ الجوارحِ - واللسانُ مِنها - والعملُ يشمل: الأفعالَ والتروكَ؛ قوليةً أو فعليةً. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١٣٦]. وقال تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [التغابن: ٨]. وقال تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥]. وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ

1 / 8

وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٢ - ٤]. وقال تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٧٧]. وقال تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل: ١٠٦]. وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣]. والآياتُ في هذا المعنى كثيرة. وفي «الصحيحين» عن ابن عباس ﴿أن رسول الله ﷺ قال لوفدِ عبدِ القَيس لما أَتوا إليه: «مَنِ القومُ؟ - أو مَنِ الوفدُ ـ؟» قالوا: ربيعة. قال: «مرحبًا بالقومِ - أو بالوفد - غيرَ خَزايا ولا نَدامى» فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أنْ نأتيكَ إلا في شهرِ الحرامِ، وبيننا وبينك هذا الحيُّ مِن كفَّارِ مُضرَ، فمُرْنا

1 / 9

بأمرٍ فَصْلٍ نُخبِر به مَن وَراءنا، ونَدخل به الجنةَ، وسَألوه عن الأَشْرِبة. فأَمَرهم بأربعٍ، ونهاهم عن أربعٍ؛ أَمَرَهم بـ: الإيمان بالله وحده، قال: «أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟» قالوا: اللهُ ورسولُه أعلم. قال: «شهادةُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسولُ الله، وإقامُ الصلاة، وإيتاءُ الزكاة، وصيامُ رمضان، وأنْ تُعْطُوا مِنَ المغنمِ الخُمُسَ»، ونهاهم عن أربع: عِنِ الحَنْتَمِ، والدُّبَّاءِ، والنَّقِيْرِ، والمُزَفَّتِ - وربما قال: المُقَيَّر (١) - وقال: «احفظوهن وأخبروا بهن مَنْ وراءَكُم» (٢). وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «الإيمانُ بِضعٌ وسِتون شعبةً، والحياءُ

(١) «الحَنْتَم»: جِرارٌ خُضْرٌ مدهونة. «الدُّبَّاء»: القَرْع. «النَّقِيْر»: أصل خشبة يُنقر وسطها. «المُزَفَّت» و«المُقَيَّر»: الوعاء المطلي بالزِّفت أو القار. وهي أوعية كانوا ينتبذون فيها، فتُسرِع بالشِّدَّة إلى الشراب، وقد يَحدث فيه التغير ولا يشعر به صاحبه؛ فهو على خطر من شرب المحرَّم. انظر: «غريب الحديث» للخطابي ١/ ٣٦١، و«الفائق في غريب الحديث» ١/ ٤٠٧، و«النهاية في غريب الحديث والأثر» ٣/ ١٣١٣. (٢) البخاري (٥٣) - واللفظ له ـ، ومسلم (١٧).

1 / 10

شعبةٌ مِنَ الإيمان» (١). وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ سُئل أي العمل أفضل؟ فقال: «إيمانٌ بالله ورسولِه»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهادُ في سبيل الله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «حجٌ مبرورٌ» (٢). وفي «صحيح مسلم» عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَن رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان» (٣). وقد استفاض عن أئمةِ أهلِ السنةِ - مِثل: مالكِ بنِ أنس، والأوزاعيِّ، وابنِ جُريجٍ، وسفيانَ الثوريِّ، وسفيانَ بنِ عيينةَ، ووكيعِ بنِ الجراحِ، وغيرِهم كثيرـ

(١) البخاري (٩) - واللفظ له ـ، ومسلم (٣٥). (٢) البخاري (٢٦) - واللفظ له ـ، ومسلم (٨٣). (٣) (٤٩). قال المؤلف في «الشرح»: «المقصود «أضعف الإيمان» في تغيير المنكر؛ لأنه ليس وراء التغيير بالقلب من هذا الإيمان شيء، وهو «أضعف الإيمان» - أيضًا - من جهة أثر التغيير، لكن لا يعني أنَّ مَن غيَّر بقلبه لعدم استطاعته؛ يكون أقل درجة ممن غيَّر بيده، فالحريص على فعل الشيء، الذي يفعل ما يَقْدِر عليه منه= هو بمنزلة الفاعل في الخير والشر». الدرس الثاني/الدقيقة: ٢٩.

1 / 11

قولُهم: «الإيمانُ قولٌ وعملٌ» (١). وأرادوا بـ «القولِ»: قول القلبِ واللسانِ، وبـ «العملِ»: عمل القلبِ والجوارحِ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~ في «العقيدة الواسطية»: «ومن أصول أهل السنة والجماعة أنَّ الدَّينَ والإيمانَ قولٌ وعملٌ؛ قولُ القلبِ واللسانِ، وعملُ القلبِ واللسانِ والجوارحِ» (٢). فظهر أنَّ اسمَ «الإيمانِ» يَشملُ كلَّ ما أمر اللهُ به ورسولُه مِنَ: الاعتقاداتِ، والإراداتِ، وأعمالِ القلوبِ، وأقوالِ اللسانِ، وأعمالِ الجوارحِ: أفعالًا وتروكًا فيَدخل في ذلك: فِعلُ الواجباتِ والمستحباتِ،

(١) انظر أقوالهم مسندة في: «السنة» للخلال ١/ ٥٩١ - ٥٩٢، و«الإبانة» - الإيمان - لابن بطة ٢/ ٨١٢ - ٨٢٦، و«شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» ٢/ ٩٣٠ - ٩٣١. (٢) «الواسطية» ص ٢٠٢، وقال المؤلف في «توضيح مقاصد الواسطية» ص ٢٠٤: «قول القلب: اعتقاد القلب، وهو: تصديقه .. وعمل القلب: كمحبة الله تعالى ورسوله ﷺ وأوليائه، ومحبة ما يحب، والخوف من الله ورجائه، والتوكل عليه».

1 / 12

وتركُ المحرماتِ والمكروهاتِ، وإحلالُ الحلالِ وتحريمُ الحرامِ (١). وهذه الواجباتُ والمحرماتُ؛ بل والمستحباتُ والمكروهاتُ؛ على درجات متفاوتة تفاوتًا كثيرًا. وبهذا= يتبيَّنُ أنه لا يصحُ إطلاقُ القولِ بأنَّ العملَ شرطُ صحةٍ أو شرطُ كمالٍ؛ بل يحتاجُ إلى تفصيل؛ فإنَّ اسمَ «العملِ» يشملُ: عملَ القلبِ وعملَ الجوارحِ، ويشملُ الفعلَ والتركَ، ويشملُ الواجباتِ التي هي أصولُ الإسلامِ الخمسةِ وما دونها، ويشملُ تركَ الشركِ والكفرِ وما دونهما من الذنوب. - فأمَّا تركُ الشركِ وأنواعِ الكفرِ والبراءةُ منها؛ فهو شرطُ صحةٍ لا يتحقق الإيمان إلا به.

(١) انظر تقرير المؤلف لمذهب أهل السنة في الإيمان وأدلته وفروع مسائله: «شرح العقيدة الطحاوية» ص ٢١٤ - ٢٣٦، و«توضيح مقاصد الواسطية» ص ٢٠٢ - ٢١٠، و«توضيح المقصود في نظم ابن أبي داود» ص ١٣٨ - ١٦٦، و«شرح القصيدة الدالية» ص ٩٦ - ٩٨، و«إرشاد العباد إلى معاني لمعة الاعتقاد» ص ٨٠ - ٨٢، و«شرح كشف الشبهات» ص ٩٥ - ٩٩، و«شرح نواقض الإسلام» ص ١١، و«تعليقات على المخالفات العقدية في فتح الباري» رقم ٣، و٤٦، وغيرها.

1 / 13

- وأما تركُ سائرِ الذنوبِ؛ فهو شرطٌ لكمالِ الإيمانِ الواجب. - وأما انقيادُ القلب - وهو إذعانُه لمتابعةِ الرسول ﷺ، وما لابدَّ منه لذلك مِن عملِ القلب؛ كمحبةِ الله ورسولِه، وخوفِ الله ورجائه ـ، - وإقرارُ اللسان - وهو: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله ـ؛ فهو كذلك شرطُ صحةٍ لا يتحقق الإيمان بدونهما. - وأمَّا أركانُ الإسلام بعدَ الشهادتينِ؛ فلَمْ يتَّفقْ أهلُ السنةِ على أنَّ شيئًا منها شرطٌ لصحةِ الإيمانِ؛ بمعنى: أنَّ تركَه كفرٌ، بلِ اختلفوا في كفرِ مَن ترك شيئًا منها، وإنْ كان أظهر وأعظم ما اختلفوا فيه: الصلوات الخمس؛ لأنها أعظمُ أركانِ الإسلام بعد الشهادتين. ولِما وَرَدَ في خصوصها ممَّا يدل على كفرِ تارك الصلاة؛ كحديث جابر بن عبد الله ﴿قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «بينَ الرجلِ وبين الشركِ والكفر= تركُ الصلاة». أخرجه مسلم في «صحيحه» وغيره (١).

(١) مسلم (٨٢)، وأبو داود (٤٦٤٥)، والترمذي (٢٦١٩) - وصححه ـ، والنسائي (٤٧١)، وابن ماجه (١٠٧٨).

1 / 14

وحديث بُرَيْدةَ بن الحُصَيب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها= فقد كفر». أخرجه أصحاب «السنن» (١). - وأما سائرُ الواجبات بعد أركانِ الإسلام الخمسة؛ فلا يختلفُ أهلُ السنة أنَّ فعلَها شرطٌ لكمال إيمان العبد، وتركَها معصيةٌ لا تخرجه عن الإيمان. وينبغي أن يُعلم أنَّ المراد بـ «الشرط» هنا: معناه الأعم، وهو: ما تتوقف الحقيقة على وجوده، سواء كان ركنًا فيها أو خارجًا عنها، فما قيل فيه هنا: إنه شرطٌ للإيمان= هو مِنَ الإيمان (٢). وهذا التفصيل كلُّه على مذهب أهل السنة

(١) الترمذي (٢٦٢١) - وقال: حسن صحيح غريب ـ، والنسائي (٤٧٠)، وابن ماجه (١٠٧٩)، وصححه: ابن حبان (١٤٥٤)، والحاكم في «المستدرك» (١١)، وقال ابن تيمية في «شرح العمدة» ٢/ ٦٥، وابن القيم في «الصلاة» ص ٦٨: «على شرط مسلم»، وصححه - أيضًا - جمعٌ من المتأخرين. (٢) فالمؤلف عبَّر بـ «الشرط» عن «الشرط» و«الركن» معًا؛ لأنهما يتفقان في أن كلَّ واحد منهما يتوقف وجود ماهية الشيء عليه، لكن الركن داخل في الماهية؛ كالركوع للصلاة، والشرط خارج عنها، كالوضوء لها. انظر: «جامع المسائل» ٣/ ٣١٧، و«شرح مختصر الروضة» ٣/ ٢٢٧.

1 / 15

والجماعة؛ فلا يكون مَن قال بعدمِ كفرِ تاركِ الصلاةِ كسلًا - أو غيرها من الأركان - مُرْجِئًا، كما لا يكون القائلُ بكفره حَرُوْرِيًّا وإنما يكون الرجلُ من المرجئة بإخراج أعمالِ القلوب والجوارحِ عن مُسمى الإيمان؛ فإنْ قال مع ذلك بوجوبِ الواجباتِ، وتحريمِ المحرماتِ، وترتُّبِ العقوباتِ= فهو قولُ مُرجئةِ الفقهاءِ المعروفِ، وهو الذي أنكره الأئمة، وبيَّنوا مخالفتَه لنصوصِ الكتابِ والسنة (١). وإن قال: «لا يضرُّ مع الإيمانِ ذنبٌ»، و«الإيمانُ هو: المعرفةُ» = فهو قولُ غلاةِ المرجئةِ الجهمية، وهم كفارٌ عند السلف. وبهذا= يَظهر الجوابُ عن مسألة العملِ في الإيمان، هل هو شرطُ صحةٍ أو شرطُ كمالٍ، ومذهبُ المرجئة في ذلك.

(١) وألَّفوا في ذلك كتبًا مفردة كـ: «الإيمان» لأبي عُبيد القاسم بن سلَّام، و«الإيمان» لأبي بكر بن أبي شيبة، و«الإيمان» لابن منده، و«الإيمان الكبير» و«الإيمان الأوسط» لابن تيمية. وضمن كتب العقائد كـ: «السنة» للخلال، و«الإبانة» لابن بطة، و«شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» وغيرها كثير جدًا، وفيها - أيضًا - الرد على المرجئة الجهمية.

1 / 16

هذا، ولا أعلم أحدًا من الأئمة المتقدمين تكلَّم بهذا، وإنما وَرَدَ في كلامِ بعضِ المتأخرين نسبته إلى السلف (١). وبهذا التقسيم والتفصيل= يتهيَّأُ الجوابُ عن سؤالين: أحدهما: بِمَ يَدخل الكافرُ الأصلي في الإسلام، ويَثبت له حكمه؟ والثاني: بم يَخرج المسلمُ عن الإسلام، بحيث يصيرُ مرتدًا؟ فأما الجواب عن الأول: فهو أنَّ الكافر يَدخل في الإسلام ويثبت له حكمه؛ بالإقرار بالشهادتين - شهادة أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله ـ؛ فمن أَقرَّ بذلك بلسانه دون قلبه= ثَبت له حكمُ الإسلام ظاهرًا. وإنْ أقرَّ بذلك ظاهرًا وباطنًا= كان مسلمًا على

(١) كالحافظ ابن حجر ~، في «فتح الباري» ١/ ٤٦، وانظر تعقُّب المؤلف له في: «تعليقات على المخالفات العقدية في فتح الباري» رقم (٣).

1 / 17

الحقيقة ومعه أصل الإيمان؛ إذ لا إسلامَ إلا بإيمان، ولا إيمانَ إلا بإسلام. وهذا الإقرارُ الذي تَثبت به حقيقةُ «الإسلام» يشملُ ثلاثةَ أمورٍ: - تصديقَ القلب، - وانقيادَه، - ونطقَ اللسان؛ وبانقياد القلب ونطق اللسان= يتحقَّق الإقرار ظاهرًا وباطنًا، وذلك يتضمَّنُ ما يعرفُ عند أهلِ العلم بـ: «التزام شرائعِ الإسلام»؛ وهو: الإيمان بالرسول ﷺ، وبما جاء به، وعَقْدُ القلب على طاعته؛ فمَن خلا عن هذا الالتزام= لم يكن مُقِرًّا على الحقيقة. فأما تصديقُ القلب؛ فضدُّه: - التكذيبُ، والشكُ، والإعراضُ. وأما انقيادُ القلب؛ فإنه يتضمَّنُ: - الاستجابةَ، والمحبةَ، والرِّضَا والقبولَ. وضدُّ ذلك: - الإباءُ، والاستكبارُ، والكراهةُ لما جاء به الرسول ﷺ.

1 / 18

وأما النطقُ باللسان؛ فضدُّه: - التكذيبُ، والإعراضُ، فمَن صدَّق بقلبِه وكذَّب بلسانِه= فكفرُه كفرُ جحود، ومَن أقرَّ بلسانِه دونَ قلبِه= فكفرُه كفرُ نفاق. فنتج عن هذا: ستةُ أنواعٍ من الكفر، كلُّها ضد ما يتحقق به أصل الإسلام، وهذه الأنواع هي: ١ - كفر التكذيب. ٢ - كفر الشك. ٣ - كفر الإعراض. ٤ - كفر الإباء. ٥ - كفر الجحود. ٦ - كفر النفاق. - ومِن كفر الإباءِ والاستكبار: الامتناعُ عن متابعة الرسول ﷺ والاستجابة لما يدعو إليه، ولو مع التصديق بالقلب واللسان، وذلك كـ: كُفرِ أبي طالب (١)،

(١) فقد كان يَذكر صِدق النبي ﷺ ونبوته، ومن ذلك قوله في شعره: ألم تعلموا أنَّا وجدنا محمدًا ... نبيًا كموسى خُطَّ في أوَّل الكُتْب = وقوله في قصيدته اللامية: ... فواللهِ لولا أنْ أجيءَ بسُبَّةٍ ... تُجَرُّ على أشياخنا في المحافلِ لكُنَّا اتَّبَعْنَاهُ على كلِّ حالَةٍ ... مِنَ الدهرِ جِدًّا غيرَ قولِ التهازلِ لقد عَلِمُوا أَنَّ ابنَنا لا مُكذَّبٌ ... لدينا ولا يُعْنَى بقوْلِ الأَبَاطِلِ. انظر: «سيرة ابن إسحاق» ص ١٣٨، و«السيرة النبوية» لابن هشام ١/ ٣١١.

1 / 19

وكفر مَن أظهر الاعتراف بنبوة النبي ﷺ من اليهود (١) وغيرِهم (٢). وأما الجواب عن السؤال الثاني: وهو: بم يَخرج المسلمُ عن الإسلام، بحيث يصيرُ مرتدًا؟ فجِماعُه ثلاثةُ أمور: الأول: ما يضادُّ الإقرارَ بالشهادتين، وهو أنواعُ

(١) كالذي سأل النبي ﷺ عن مسائل فلما أجابه؛ قال اليهودي: «لقد صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف فذهب!» رواه مسلم (٣١٥). (٢) كهرقل عظيم الروم، وقصته في البخاري (٧)، ومسلم (١٧٧٣) من حديث ابن عباس عن أبي سفيان﴾.

1 / 20

الكفرِ الستةِ المتقدمة، فمتى وقع مِنَ المسلم واحدٌ منها= نقضَ إقرارَه؛ وصار مرتدًا. الثاني: ما يناقضُ حقيقةَ الشهادتين ـ شهادة أنْ لا إله إلا الله، أو شهادة أن محمدًا رسول الله ـ: - فحقيقةُ شهادة أن لا إله إلا الله: الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، وهذا يشمَلُ التوحيدَ بأنواعه الثلاثة: - توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات. وهذا يتضمَّنُ الإيمانَ بـ: - أنه تعالى ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. - وأنه الإلهُ الحق، الذي لا يستحق العبادة سواه. - وأنه الموصوفُ بكلِّ كمالٍ والمنزَّهُ عن كلِّ نقصٍ، وأنه كما وَصَفَ نفسه وكما وصفَه رسوله ﷺ من غير تعطيل ولا تمثيل، على حدِّ قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]. - وإفرادُه مع ذلك بالعبادة، والبراءةُ من كلِّ ما يعبد من دونه.

1 / 21

وجملة ما يناقض التوحيد أمورٌ: ١ - جَحْدُ وجود الله، وهذا شرُّ الكفر والإلحاد، وهو مناقضٌ للتوحيد جملة، ومنه: القول بـ: «وَحدة الوجود» (١). ٢ - اعتقادُ أنَّ مع الله خالقًا ومدبرًا ومؤثرًا مستقلًا عن الله في التأثير والتدبير، وهذا هو الشرك في الربوبية. ٣ - اعتقادُ أنَّ لله مِثْلًا في شيء من صفاتِ كمالِه؛ كـ: علمِه، وقدرتِه. ٤ - تشبيهُه تعالى بخلقه في ذاته أو صفاته أو أفعاله، كقول المشبِّه: له سَمْعٌ كسمعي، وبصر كبصري. ويدخل في ذلك: وَصْفُه بالنقائص؛ كـ: الفقرِ، والبخل، والعجز، ونِسبةِ الصاحبةِ والولد إليه.

(١) «وَحدة الوجود» قول صوفي فلسفي يجعل وجودَ الخالقِ= نَفْسَ وجودِ المخلوقات؛ فكلُّ ما تتصف به المخلوقات من حسن وقبح؛ إنما المتصف به عندهم: نَفْس الخالق، وليس للخالق عندهم وجود مباين لوجود المخلوقات منفصل عنها. انظر: «مجموع الفتاوى» ٢/ ١٢٤، و«الرسالة الصفدية» ص ٢٦٢، و«الرد على الشاذلي» ص ١٠٦، و«شرح العقيدة التدمرية» ص ٥٩١، واقرأ للرد على هذا المذهب بتوسع: «بغية المرتاد» والمجلد الثاني من «مجموع الفتاوى».

1 / 22

٥ - اعتقادُ أن أحدًا مِنَ الخلقِ يستحقُ العبادة مع الله، وهذا هو اعتقادُ الشرك في الإلهية، ولو لم يكن معه عبادةٌ لغير الله. وهذه الأمورُ الخمسة كلُّها تَدخل في «كفر الاعتقاد» أو «شرك الاعتقاد». ٦ - عِبادةُ أَحدٍ مع الله بنوع من أنواع العبادة، وهذا هو «الشرك في العبادة»، سواء اعتقد أنه ينفع ويضر، أو زَعم أنه واسطةٌ يقربه إلى الله زُلفى، ومن ذلك: السجود للصنم. والفرق بين هذا والذي قبله: أنَّ هذا من باب الشرك العملي المناقض لتوحيد العمل، الذي هو إفراد الله بالعبادة، وذاك مِن باب الشرك في الاعتقاد المنافي لاعتقاد تفرد الله بالإلهية واستحقاق العبادة. ولِما بين الاعتقاد والعمل من التلازم= صار يُعبَّر عن هذا التوحيد بـ: «توحيد الإلهية»، و«توحيد العبادة»، وعن ضده بـ: «الشرك في الإلهية»، أو «الشرك في العبادة». ٧ - جَحدُ أسماءِ الله وصفاتِه أو شيءٍ منها.

1 / 23