218

Naqḍ al-Dārmī ʿalā al-Marīsī - taḥqīq al-Shawwāmī

نقض الدارمي على المريسي - ت الشوامي

Editor

أَبوُ عَاصِم الشَّوَامِيُّ الأَثرِي

Publisher

المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م

Publisher Location

القاهرة - مصر

Genres

قَوْله: ﴿جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ أَنَّهُ خَلَقْنَاهُ، فَلَمْ تَفْقَهُوا مَعْنَاهُ مِنْ قِلَّةِ عِلْمِكُمْ بِالعَرَبِيَّةِ.
وَيْلكُمْ! إِنَّمَا الكَلَامُ لله بَدْءًا وَأَخِيرًا، وَهُوَ يَعْلَمُ الأَلْسِنَةَ كُلَّهَا، وَيَتَكَلَّمُ بِمَا شَاءَ مِنْهَا: إِنْ شَاءَ تَكَلَّمَ بِالعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ شَاءَ بِالعِبْرَانِيَّةِ وَإِن شَاءَ بالسُّرْيَانيَّة، فَقَالَ: جعلت هَذَا القُرْآنَ مِنْ كَلَامِي عَرَبِيًّا، وَجَعَلْتُ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيل مِنْ كَلَامِي عِبْرَانِيًّا؛ لَمَا أَنَّهُ أَرْسَلَ كُلَّ رَسُولٍ بِلِسَانِ قَوْمِهِ، كَمَا قَالَ: فَجَعَلَ كَلَامَهُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ لَهُ كَلَامًا لِكُلِّ قَوْمٍ بِلُغَاتِهِمْ فِي أَلْسِنَتِهِم.
فَقَوْلُهُ: «جَعَلْنَاهُ» صَرَفْنَاهُ مِنْ لُغَةٍ إِلَى لُغَة أُخْرَى لَيْسَ أَنَّا خَلَقْنَاهُ خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ فِي دَعْوَاكُمْ، فَهُوَ مَعَ تَصَرُّفِهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ كَلَامُ الله غَيْرُ مَخْلُوقٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ [الشورى: ٥٢].
يَقُولُ: تَسْتَنِيرُ بِهِ القُلُوبُ وَتَنْشَرِحُ لَهُ، لَا أَنَّهُ نُورٌ مَخْلُوقٌ، لَهُ ضَوْءٌ قَائِمٌ، يُرَى بِالأَعْيُنِ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ وَالكَوَاكِبِ.
فَافْهَمْهُ، وَلَا أَرَاكَ تَفْهَمُهُ.
وَاحْتَجَّ المُعَارِضُ أَيْضًا لِتَحْقِيقِ قَوْلِهِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ: «يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعًا لِصَاحِبِهِ».
فَقَالَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ: إِنْ قُلْتُمْ بِهَذَا الحَدِيثِ كَانَ نَقْضًا لِمَا ادَّعَيْتُمْ أَنَّ القُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَاءَى شَيْءٌ فِي صُورَةٍ، إِلَّا وَذَلِكَ المُتَرَائِي وَالمُتَكَلِّمُ فِي قِيَاسِ مَذْهَبِهِ مَخْلُوقٌ.
فَقَدْ فَسَّرْنَا هَذَا لِهَذَا المُعْجَبِ بِجَهَالَتِهِ فِي كِتَابِنَا هَذَا، أَنَّ القُرْآنَ كَلَامُ الله لَيْسَ لَهُ صُورَةٌ، وَلَا جِسْمٌ، وَلَا يَتَحَوَّلُ صُورَةً أَبَدًا، لَهُ فَمٌ وَلِسَانٌ ينْطِقُ بِهِ ويَشْفَعُ، قد عَقِلَ ذَلِكَ جَمِيعُ المُسْلِمِينَ. فَلَمَّا كَانَ المَعْقُولُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ ثَوَابٌ يُصَوِّرُهُ الله فِي أَعْيُنِ المُؤْمِنِينَ، جَزَاءً لَهُمْ عَن القُرْآن الَّذِي قَرَءُوُه.

1 / 220