الفرد والفقر والفناء.
وإلا فكلب الكوفي خير من ألف صوفي.
والغزالي سيد السالكين في الإسلام شبيه فعلا وقولا بالقديس أغسطينوس سيد السالكين في المسيحية، وللاثنين نظرات في الدين وفي الكتب المقدسة وإن غربت شكلا بعضها عن بعض قربت روحا وتشابهت خطا.
وعندي أن كتب الدين مصابيح تنار بها مسالك الحياة لا مقاييس تقاس بها العلوم البشرية، وسيدي الغزالي كأستاذي القديس أغسطينوس يضعف أسباب الدين وينفي القداسة منه حين يرفعه على العلم. الغزالي يرى في القرآن القسطاس القويم لكل العلوم البشرية، والقديس أغسطينوس يرى ذلك في التوراة والكتابان لا تقبل حجتهما اليوم في سنن الكون كلها وفي أمور الحياة كافة، ففي القرآن مثلا: تجري الشمس لمستقر، وفي التوراة: تقف الشمس إكراما ليشوع بن نون، وتلاميذ المدارس اليوم يعرفون أن الشمس لا تجري ولا تقف وإنما تدور على محورها، والأرض تجري في الفلك حولها.
4
أذكر أني أشرت يوما إلى هذه الآية في حضرة عالم من علماء المسلمين فكتب إلي بعدئذ شارحا مفسرا ليبرهن أن النبي كان عالما بحقيقة الشمس والسيارات حولها، ولكن في عهد النبي لم يكن أحد يشك في أن الشمس تدور حول الأرض، بل كان هذا الوهم شائعا في الشرق وفي الغرب حتى بين العلماء، والنبي محمد تتبع ما كان شائعا فقال: والشمس تجري لمستقر لها، ولكن المدهش شرح سيدي الشيخ، قال: إن اللام في قوله لمستقر، إما بمعنى «على» مثلها في قوله:
ويخرون للأذقان
وقوله: «فخر سريعا لليدين وللفم» أو بمعنى «في» مثلها في قوله:
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة
أو بمعنى «مع» مثلها في قوله: «وكأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا» وعلى كل هذه التقادير يكون المعنى تجري في مستقرها، أي: تجري وهي مستقرة في مكانها من دون انتقال عن فراغها الحايز لها، ولعله أشار إلى حركتها المركزية على نفسها.
Unknown page