المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
حَمدًا لمن سرَّح عيونَ البصائر في رِياض النعِّم، رياض زهَت فيها رياحين العقول، وتفتَّحتْ بنسِيم اللطف أنوار الحِكَم، فاجْتنَت منها أيدي المُنَى فواكه الأرواح، واقتطفت شَقيق الشَّقيق من بين أقاحِي الصَّباح، والنَّدَى طرَّز برد النسيم ببَلالِه، لمَّا رأى مجامِرَ الزَّهْرِ تحت أذياله.
مَن قبل أن ترشِف شمسُ الضحى ... ريقَ الغَوادي من ثُغُور الأقاحْ
وأشكره شكرًا يطوِّق جيدَ البلاغة نظِيمُ عقوده، وينسِج ببَنان البيان لي مِنوال البراعة رقيقُ بُروده، على نِعمٍ لا تفنَى من معان الوجود جواهرُها، ولا تذوِي من خمائل الفصاحة أزاهرُها.
ونُهدِي صِلات الصَّلاة لناظم عقد الدين بعد نَثْره، المُؤيَّد بآياتٍ لا يزال يتلوها لِسانُ الدهر ولو طار نَسْر السماء من وَكره، وكَلَّت دونها ألسنةُ أَسِنّة الطَّاعنين، وحُمِيت حديقتُها بشوكة الإعجاز فلم تلمسْها يدُ أفكار المعارضين، فصار السابقون في حَوْمَة البلاغة، الماهرين في صناعة الصِّياغة، ما بين ساكتٍ أَلْفا، وناطقٍ خَلْفا، ومُشمِّرٍ ذيلَه، ومُدَّرِعٍ ليلَه تسرْبَل سابغةَ دُجى، قَتيِرُها نجومُ ليلٍ دجا، حتى اشتفَتْ نفسُ الإسلام من دائهم، وزال كلَب الكفر بما أُريق من دمائهم، فبيوتُهم خاوية، ونفوسُهم على أثر تلك البيوت قافية.
1 / 3