Ray Fi Abi Cala
رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه
Genres
19
وهكذا أراد أبو العلاء بالقول والفعل معا أن يقهر آفته وينكرها، ويعترف بالحياة ومطامعها، ويمضي في طلبها - مغطيا لنقصه - استجابة للناموس النفسي، فحفظ ودرس، ولقي الأشياخ، ورحل في طلب العلم والدنيا، ونضج مبكرا، فقال في هذا الدور شعرا يظهر فيه جليا أثر الناموس النفسي المذكور من إنكار الواقع والاستعلاء عليه؛ فهو يفخر فخرا متوسعا، وهو متغزل، وهو يحب الاجتماع ... إلخ. تقرأ قصيدة من شعر شبابه فتراه فيها ذا إقدام، ولا إقدام لمثله ، وذا نائل وهو مكد لم يوسر، يغدو ولو أن الصباح صوارم، ويسري ولو أن الظلام جحافل، وما إلى ذلك. فهو يعيش في هذا الكبت المستمر منكرا واقعه الجسمي، مشاركا في الدنيا، راغبا آملا، ولكن رغم هذا الكبت تتنفس الحقيقة أحيانا، فيتمنى البصر في الصبا؛ إذ يقول:
فليت الليالي سامحتني بناظر
يراك ومن لي بالضحى في الأصائل
فلو أن عيني متعتها بنظرة
إليك الأماني ما حلمت بغائل
سقط 2: 32
وهكذا يمضي العصر الأول، أو الدور الأول، أو الصراع الأول، إن شئت في عناء عنيف، من التكمل والاستعلاء وإنكار الواقع، والطمع فيما لم يمنح آلته، وذلك كله في زمن ليس بالخير ولا بالمستقر، من حيث الشئون السياسية والاجتماعية؛ فالصراع في مثله شاق على المسلحين، فكيف به على مثله؟! لم تواته ظروف الحياة؛ إذ كانت مضطربة، وكانت قاسية، فلم يستطع الفرار من قدره، بل راض صعاب آماله فكانت شموسا كما يقول:
ورضت صعاب آمالي فكانت
خيولا في مراتعها شمسنه
Unknown page