لما ورد عسكر الشام إلى الديار المصرية أوقع الله في قلب الملك المظفر الخروج إلى الغزاة ؛ وصار يجتمع بالسلطان في هذا المعنى، فيشير عليه بما فيه مصلحة الإسلام ؛ فخرج وصحبته العساكر، وذلك في العشر الأوسط من شعبان سنة ثمان وخمسين وستمائة. وسار السلطان صحبته، يركب بركوبه، وينزل بنزوله ؛ ولم يبق وجها من وجوه الخدمة إلا بذها السلطان له. وعبر على بلاد الفرنج، واجتاز على عكا، ودخل الملك الظاهر مختفية إلى عكا حتى رآها. ولقد دخلت اليها صحبة الأمير فارس الدين الأتابك، وسمعت جماعة من الفرنج يقولون : «یا مسلم ! أرونا فلانا » - يعنون السلطان.
ولما رحل العسكر مرحلتين من عكا ركب السلطان ومعه جماعة من الأمراء، وساقوا بقية النهار والليل وطلع السلطان إلى الجبل الذي يعلو عين جالوت، وأقام طول ليله، وهو ومن معه، على ظهور
ولا علم عندهم بقرب العدو، حتى وردت رسل الملك الظاهر ينذر الناس، ويعلمهم بقرب العدو، وينبه على عورات العدو، ويقالهم في أعينهم، ويجسر هم على انتهاز الفرصة، وكان ذلك أحد أسباب النصر ؛ ولولاه يسمح بنفسه، ويقدم، ويتقدم ويبيت ساهرة في الذب عن الحوزة لكان الحال - والعياذ بالله ! - مخوفة، [ والبلاد فخراب ] ؛ لأن المسلمين كانوا
ولما وصلت العساكر إلى السلطان وقف في صدر العدو، وصبر على تكاية صدمتهم الأولى، فرأى العدو منهم شجاعة ما سمع بمثلها .. ورآه المسلمون قد ثبت فيهم، فجسروا على العدو، وساقوا، وساق الماك المظفر والأتابات مع السناجق، فكان ما قدره الله من النصر الذي كان الملك الظاهر فيه السيب.
Page 64