تفسير الفاتحة
تأليف
الحافظ أبو الفرج عبدالرحمن بن أحمد بن رجب الدمشقي الحنبلي
المتوفى سنة (٧٩٥)
رحمه الله تعالى
تحقيق
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، الذي أوتي سبعا من المثاني، والقرآن العظيم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا أثر جديد من آثار الحافظ ابن رجب الحنبلي، وفق الله ﷿ للوقوف عليه، وهو يخرج لأول مرة إلى عالم المطبوعات - حسب علمي -، وأسأل الله ﷿ أن ينفع به، ويبارك فيه.
وصف النسخة الخطية:
اعتمدت في إخراج هذا الجزء على نسخة وحيدة، وهي من محفوظات جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد حصلت على مصورة منها من «مكتبة الملك فهد الوطنية» بالرياض، وعدد أوراقها: ٢٣ ورقة، وخطها: مقروء، ولم
1 / 5
يكتب عليها اسم ناسخها، وهي ناقصة، فليس فيها سوى خمسة فصول جعلها المؤلف مقدمة لتفسير السورة، وأول الكلام على قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وكتب على طرتها:
«كتبت هذه النسخة من نسخة أخرجت من الحريق لما أحرق تيمور لنك دمشق، فاحترق بعضها فكتبنا ما وجدنا منها».
وجاء في آخرها:
«يتلوه بقية الكلام عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى».
فالعبارة الأولى تفيد أن هناك أشياء لم توجد من هذه الرسالة، والعبارة الثانية تدل على أن هناك أشياء وجدت ولم تكتب في هذه النسخة!
وقد وجدت في النسخة بياضات كثيرة في أثنائها، ويبدو -والله أعلم- أن أماكن هذه البياضات مما احترق منها، فلعل مراد الناسخ بقوله في العبارة الأولى: «فكتبنا ما وجدنا منها» أي: مما لم يحترق من وسط الكتاب، وأما آخر الرسالة فلعل الناسخ أرجأ كتابته إلى وقت آخر كما تفيده عبارته الأخيرة، فنسأل الله ﷿ أن يوفق للوقوف على ما تتم به هذه الرسالة كما وفق للوقوف على أولها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
1 / 6
توثيق نسبة الكتاب:
هناك أدلة متضافرة تدل على إثبات هذا الكتاب للحافظ ابن رجب، من ذلك ما يلي:
أولا: العبارة التي جاءت على طرة النسخة الخطية، والتي فيها نسبة الكتاب إليه، وسأذكرها بحروفها في الفقرة التالية.
ثانيا: أن بعض من ترجم للحافظ ابن رجب ذكر هذه الرسالة ضمن مؤلفاته، قال يوسف ابن عبد الهادي في «الجوهر المنضد» (ص: ٥٠) - وهو يعدد مؤلفاته -:
(وكتاب «إعراب أم القرآن» مجلد، ولعله كتاب «الفاتحة») ا. هـ
ثالثا: أن بعض العلماء نقلوا عن هذه الرسالة منسوبةً للحافظ ابن رجب، ومنهم:
١ - المرداوي في «الإنصاف» نقل عنها في موضعين:
الأول: في كتاب الصلاة، باب صفة الصلاة، قال (٢/ ٤٨): «وعنه - أي: البسملة - ليست قرآنا مطلقا - بل هي ذكر، قال ابن رجب في «تفسير الفاتحة»: وفي ثبوت هذه الرواية عن أحمد نظر» ا. هـ.
الثاني: في كتاب النكاح، باب عشرة النساء، قال
1 / 7
(٨/ ٣٥٧): «واستحب بعض الأصحاب أن يحمد الله عقب الجماع. قاله ابن رجب في «تفسير الفاتحة»» ا. هـ.
٢ - وفي كتابه «التحبير» في موضعين:
الأول (٣/ ١٣٧٤) قال: «قال أبو بكر الرازي الحنفي: هي - أي: البسملة - آية مفردة، أنزلت للفصل بين السور. قال ابن رجب في «تفسير الفاتحة»: وهو الصحيح عن أبي حنيفة. قلت: وهذا منصوص الإمام أحمد، وعليه أصحابه، قال ابن رجب: هذا قول أكثر العلماء منهم: عطاء والشعبي والزهري والثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وداود ومحمد بن الحسن».
الثاني (٣/ ١٣٧٥) قال: «وذهب الإمام مالك وأصحابه والأوزاعي وابن جرير الطبري وغيرهم إلى أنها ليست بقرآن بالكلية، وقاله بعض الحنفية، وروي عن أحمد، لكن قال ابن رجب في «تفسير الفاتحة»: في ثبوت هذه الرواية عن أحمد نظر، بل هي ذكر كالاستعاذة» ا. هـ.
٣ - ابن النجار في «شرح الكوكب المنير» في موضعين (٢/ ١٢٤، ١٢٦) وكلاهما مما سبق في كلام المرداوي في
1 / 8
«التحبير» فقد يكون نقلها عنه، والله أعلم.
وهذه النصوص وإن كانت غير موجودة في النسخة التي وقفنا عليها فإنها تثبت أن لابن رجب كتاب «تفسير الفاتحة»، وأما عدم وجود هذه النصوص في هذه النسخة فلعل مرجعه -والله أعلم- إلى أنها قطعة ناقصة من الكتاب -كما سبق-، فتكون تلك النصوص ضمن ما لم ينسخ من الكتاب، والله أعلم.
رابعا: أن نَفَسَ الحافظ ابن رجب واضحٌ في هذه الرسالة، فهو يعتني بانتقاء الأحاديث، ويتكلم عليها على طريقة أئمة الحديث المتقدمين، ويعتني بأقوال السلف، وهو أيضا ينقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية وعن تلميذ ابن تيمية وشيخ ابن رجب = العلامة ابن القيم.
اسم الكتاب:
لم يذكر الحافظ ابن رجب أنه سمى هذا الكتاب باسم معين، وإنما قال في صدر الكلام: «فصل في تفسير سورة الفاتحة»، ولكن جاء على طرة النسخة الخطية العبارة التالية:
«تفسير الفاتحة للشيخ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي قدّس الله روحه، ونوّر ضريحه».
1 / 9
وقد سمَّاها من نقل عنها بنفس الاسم، وأما صاحب «الجوهر المنضد» فسماها: «الفاتحة»، فيبدو أنه اختصر الاسم، والله أعلم.
وأخيرا أسأل الله ﷿ أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يغفر لي ولوالدي ولمشايخي وللمسلمين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
وكتب
سامي بن محمد بن جادالله
الرياض (١)
٥/ ٦/ ١٤٢٥
* * *
_________
(١) ص. ب: (٤٢٢٢٥)، الرمز البريدي: (١١٤٥١).
1 / 10
نموذج من النسخة الخطية
1 / 11
بداية النصِّ المحقَّق
1 / 13
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم.
فصل
في الكلام على تفسير الفاتحة
ونقدم قبل تفسيرها مقدمة تشتمل على خمسة فصول:
الفصل الأول: في موضع نزولها.
الثاني: في عددها.
الثالث: في أسمائها.
الرابع: في فضائلها، ويتضمّن الكلام على مسألة تفاضل القرآن.
الخامس: في أحكامها.
* * *
1 / 15
الفصل الأول: في موضع نزولها
وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّها نزلت بمكَّة، نُقل عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ وأبي هريرة والأكثرين، حتى قال أبو ميسرة: هي أوَّل سورة نزلت من القرآن بمكَّة، وأنَّها ابتدئت بـ «بسم الله الرحمن الرحيم». خرجه البيهقي في «الدلائل» (١).
وقيل: أول ما نزل: «بسم الله الرحمن الرحيم» منفردة، قال الفخر الخطيب (٢): وهو قول الأكثرين من الذين قالوا: لم تنزل «المدثر» و«اقرأ» أولا (٣). ونقله في موضع آخر عن ابن
_________
(١) لم أقف عليه بهذا السياق عند البيهقي، وهو عند غيره، وانظر: «دلائل النبوة» له (٢/ ١٥٨).
(٢) هو الرازي، والمعروف أنه يلقب: (بابن الخطيب) أو (ابن خطيب الري).
(٣) انظر: "مفاتيح الغيب" (١/ ١٤٧).
1 / 16
عبَّاسٍ (١).
وقيل: أول ما نزل: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ [المدثر: ١]، كما جاء في حديث جابر الصحيح (٢).
وقيل: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، وهذا هو الصحيح، فإنه لما أنزل عليه: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ رجع فتدثر، فنزل: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾.
والقول الثاني في موضع نزول الفاتحة: أنها أُنزلت بالمدينة. قاله جماعة، منهم مجاهد، روى منصور عن مجاهد قال: إن إبليس رنَّ أربعَ رنَّاتٍ: حين لُعِنَ، وحين أُهبط من الجنَّة، وحين بُعث النبيُّ ﷺ، وحين أُنزلت فاتحة الكتابِ، وأُنزلت بالمدينة.
وروى الطَّبرانيُّ في «الأوسط»: حدثنا عُبيد بن غنَّام ثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ ثنا أبو الأَحْوَصِ عن منصورٍ عن مجاهدٍ عن أبي هريرة أنَّ إبليسَ رنَّ حين أُنزلت فاتحةُ الكتابِ، وأُنزلت بالمدينة.
وقال: لم يروه عن منصور إلا أبو الأحوص، تفرّد به أبو بكر بن أبي شيبة (٣).
_________
(١) انظر: "مفاتيح الغيب" (١/ ١٤٧).
(٢) «صحيح البخاري» (٨/ ٦٧٦ - ٦٧٧ - رقم: ٤٩٢٢).
(٣) «المعجم الأوسط» (٥/ ١٠٠ - رقم: ٤٧٨٨).
1 / 17
ورواه سفيان وغيره عن منصور ووقفُوه على مجاهدٍ.
والقول الثالث: أنَّها أُنزلت مرَّةً بمكَّة، ومرَّةً بالمدينة، فهي مكِّيَّةٌ مدنيَّةٌ.
وحَكَى أبو الليث أنَّ نصفَهَا نزل بالمدينة، ونصفَهَا بمكَّة (١).
وقيل: نزلت بين مكَّة والمدينة.
والصحيح أنَّها أُنزلت بمكَّة، فإنَّ «سورة الحِجْر» مكِّيَّةٌ بالاتفاق، وقد أنزل الله فيها: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: ٨٧]، وقد فسَّرها النبيُّ ﷺ بالفاتحة، فعُلم أنَّ نزولهَا متقدمٌ على نزول «الحِجْر»، وأيضًا فإنَّ الصَّلاةَ فُرضت بمكَّة، ولم يُنقل أنَّ النبيَّ ﷺ وأصحابَه صلَّوا صلاةً بغير فاتحة الكتاب أصلًا، فدلَّ على أنَّ نزولهَا كان بمكَّةَ.
وأمَّا الرِّواية بأنَّها أوَّلُ سورةٍ أُنزلت من القرآن فالأحاديث الصَّحيحة تردُّه.
* * *
_________
(١) "بحر العلوم" (١/ ٣٩).
1 / 18
الفصل الثاني: في عددها
وهي سبعُ آياتٍ كما دلَّ عليه قولُه تعالى: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي﴾ [الحجر: ٨٧]، وفسَّرها النبيُّ ﷺ بالفاتحة، ونقل غيرُ واحدٍ الاتفاق على أنَّها سبعٌ، منهم ابنُ جرير (١) وغيرُه، لكن مَنْ عَدَّ البسملة آيةً منها جعلَ الآية السابعة: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾، ومَنْ لم يَجْعلْ البسملةَ آيةً منها جَعَلَ الآية السابعة: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ (٢) آمين.
وفيها قولان شاذّان:
أحدُهما: أنَّها ستُّ آياتٍ، حُكي عن حسين الجُعْفِيِّ.
والثاني: أنَّها ثمانُ آياتٍ، وأنَّ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ آيةٌ، نُقل
_________
(١) «جامع البيان» (١/ ٤٨).
(٢) كذا بالأصل، ولعل الصواب: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾.
1 / 19
عن عمرو بن عبيد، ولا يعبأُ به.
وأمَّا كلماتُها: فهي خمسٌ وعشرون كلمةً.
وأمَّا حروفُها: فمائةٌ وثلاثة عشر حرفًا.
* * *
1 / 20
الفصل الثالث: في أسمائها
ولها أسماءٌ متعددةٌ:
أحدُها: فاتحةُ الكتابِ، ففي «الصَّحيحين» عن عُبادة بنِ الصَّامِت أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (١)، وإنَّما سُمِّيت «فاتحة الكتاب» لافتتاح سُور القرآن بها كتابةً، وقراءةً في الصلاة، وهذا ممَّا استدلَّ به من قال: إن ترتيب سُور القرآن منصوصٌ عليه كترتيب الآيات إجماعًا. ذكره أبو العبَّاس.
وسألَ حربٌ أحمدَ عمَّن يقرأُ أو يكتبُ من آخرِ السورةِ إلى أوَّلِها، فكرِهَهُ شديدًا.
وفي «تعليق القاضي» في أنَّ البسملةَ ليست من الفاتحةِ: مواضعُ الآي كالآي أنفُسِها، ألا ترى أنَّ مَنْ رَامَ إزالةَ ترتيبها كمَنْ
_________
(١) «صحيح البخاري» (٧٥٦)، و«صحيح مسلم» (٣٩٤).
1 / 21
رَامَ إسقاطَها، وإثباتُ الآي لا يجوزُ إلا بالتواترِ كذلك مواضعها.
وذكر أبو البركات أنَّ تَنْكِيْسَ الآيات يُكْرَهُ إجماعًا، لأنَّه مظنَّة تغيُّر المعنَى بخلاف السُّورتين.
هذا لفظُه، وينبغي أن يقال: فيحرم للمظنة، وتنكيس الكلمات محرّم، مبطلٌ للصَّلاةِ اتفاقًا.
وقال جمهورُ العلماءِ - منهم المالكيَّة والشافعيَّة -: ترتيبُ السور بالاجتهاد من الصَّحابَةِ.
قال الإمامُ أبو العبَّاس: فعلى هذا يجوزُ قراءةُ هذه قَبْلَ هذه، وكذا في الكتابةِ، ولهذا تنوَّعت مَصَاحِفُ الصَّحابَةِ ﵃ في كتابتِها، لكن لمَّا اتفقوا على المُصْحَفِ زَمَنَ عثمان ﵁ صارَ هذا ممَّا سنّهُ الخلفاءُ الراشدون ﵃، وقد دلّ الحديثُ على أنَّ لهم سنَّةً يجبُ اتباعُها (١).
وقيل: سُمِّيت فاتحةً لأنَّ الحمدَ فاتحةُ كلِّ كلامٍ.
وقيل: سُمِّيت فاتحةً لأنَّها أوَّلُ سورةٍ نَزَلَتْ من السَّمَاءِ.
وقال الثَّعْلَبِيُّ: هي مُفْتَتَحَةٌ بالآية التي تُفْتَتَحُ بها الأمورُ تَيَمُّنًا
_________
(١) انظر: "الفتاوى" (١٣/ ٣٩٦، ٤٠٩ - ٤١٠).
1 / 22
وتَبَرُّكًا، وهي التَّسْمِيةُ.
الاسم الثاني: أم الكتاب، ففي «المسند» و«سنن ابن ماجه» عن عائشةَ ﵂ قالت: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقولُ: «مَنْ صَلَّى صلاةً لم يَقْرَأ فيها بأمِّ الكتابِ فهي خِدَاجٌ» (١).
وفي «سنن أبي داود» من حديث أبي هريرة: «﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أمُّ القرآن، وأمُّ الكتاب، والسَّبعُ المثاني» (٢).
وقد سمَّاها ابنُ عبَّاسٍ وغيرُه: أمَّ الكتاب.
وأنكر الحسنُ تسميتَها بذلك، وقال: أمُّ الكتاب الحلال والحرام. يشيرُ إلى قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران: ٧]، وربما وجه بأنَّ أمَّ الكتاب هو اللوحُ المحفوظ، كما في قوله تعالى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: ٣٩]، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: ٤]، وهذا لا يدلُّ على مَنْعِ تسمية الفاتحة بذلك.
_________
(١) «المسند» (٦/ ١٤٣)، و«سنن ابن ماجه» (٨٤٠).
(٢) «سنن أبي داود» (١٤٥٢).
1 / 23
وقد اختلف في معنى تسميتها بأمِّ الكتاب، فقيل: لأنَّها تتقدم على بقيَّة سُورِ الكتاب في الخطِّ، فهي تؤمُّ السور بتقدمها عليها.
[...] (١) فالكتاب كله راجع إلى معانيها، فهي كالأصل له، كما سُمِّيت مكَّة أمّ القرى، لأن البلدان دُحِيت من تحتها.
وقيل: أصالتها من حيث أنَّها محكمةٌ لم يتطرَّق إليها نسخٌ، من قوله تعالى: ﴿مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٧].
وقيل غير ذلك، والله أعلم.
الاسم الثالث: أمُّ القرآن، وقد ورد تسميتُها بذلك في أحاديث كثيرة:
منها حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: «كلُّ صلاةٍ لا يُقرأ فيها بأمِّ القرآن فهي خِدَاجٌ» خرَّجه مُسْلِمٌ (٢).
وخرَّج من حديث عُبادة أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأمِّ القرآن» (٣).
وقد أَطْلَقَ عليها هذا الاسم كثيرٌ من العلماء، ومنهم الحسن
_________
(١) بياض في الأصل، ويبدو أن هذا الموضع مما احترق من الكتاب، والله أعلم.
(٢) «صحيح مسلم» (٣٩٥).
(٣) «صحيح مسلم» (٣٩٤).
1 / 24
الذي كره تسميتها بأمِّ الكتاب، وكره ابنُ سيرين تسميتها بأمِّ القرآن، وهو محجوجٌ بما ذكرنا.
الاسم الرابع: السبع المثاني، وقد فسَّرها النبيُّ ﷺ بالفاتحة كما سيأتي ذكره، وذكر وكيع في «كتابه» عن سفيان عن عمرو بن ميمون عن أبي مسعود الأنصاريِّ عن النبيِّ ﷺ قال: «﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: ٨٧] قال: فاتحة الكتاب».
وممن قال (الفاتحة هي السبع المثاني): ابنُ عبَّاسٍ وابنُ عمر والحسن ومجاهدٌ وعكرمةُ وخلقٌ كثيرٌ.
واختلف في تسميتها بالمثاني، قيل: لأنَّها استثنيت لهذه الأمَّة، لم يُعْطَهَا أحدٌ قَبْلَهم، كما سيأتي، ورُوي عن ابنِ عبَّاسٍ.
وقيل: لأنَّها تُثَنّى في كلِّ ركعة، وهو المشهور.
وقيل: لأنَّها في كلِّ صلاة.
وقيل: لأنَّ فيها ثناءٌ على الله ﷿.
وقيل: لأنَّها قُسمت نصفين، نصفٌ لله، ونصفٌ لعبده، كما في حديث أبي هريرة.
1 / 25