58

Rasail

رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن

Genres

يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم

الآية، لم يعمل بها إلا علي بن أبي طالب وحده مع إقراركم بفقره وقلة ذات يده، وأبو بكر في الحال الذي ذكرنا من السعة أمسك عن مناجاته فعاتب الله المؤمنين في ذلك فقال:

أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ، فجعله سبحانه ذنبا يتوب عليهم منه، وهو إمساكهم عن تقديم الصدقة، فكيف سخت نفسه بإنفاق أربعين ألفا وأمسك عن مناجاة الرسول وإنما كان يحتاج فيها إلى إخراج درهمين؟ وأما ما ذكر من كثرة عياله ونفقته عليهم فليس في ذلك دليل على تفضيله؛ لأن نفقته على عياله واجبة، مع أن أرباب السير ذكروا أنه لم يكن ينفق على أبيه شيئا وأنه كان أجيرا لابن جدعان على مائدته يطرد عنها الذباب.

إننا لا ننكر فضل الصحابة وسوابقهم، ولسنا كالإمامية الذين يحملهم الهوى على جحد الأمور المعلومة، ولكننا ننكر تفضيل أحد من الصحابة على علي بن أبي طالب، ولسنا ننكر غير ذلك، وننكر تعصب الجاحظ للعثمانية وقصده إلى فضائل هذا الرجل ومناقبه بالرد والإبطال. وأما حمزة فهو عندنا ذو فضل عظيم ومقام جليل، وهو سيد الشهداء الذين استشهدوا على عهد رسول الله

صلى الله عليه وسلم . وأما فضل عمر فغير منكر، وكذلك الزبير وسعد. وليس فيما ذكر ما يقتضي كون علي مفضولا لهم أو لغيرهم، إلا قوله: «وكل هذه الفضائل لم يكن لعلي فيها ناقة ولا جمل.» فإن هذا من التعصب البارد والحيف الفاحش. وقد قدمنا من آثار علي قبل الهجرة وما له إذ ذاك من المناقب والخصائص ما هو أعظم وأشرف من جميع ما ذكر لهؤلاء. على أن أرباب السير يقولون إن الشجة التي شجها سعد وإن السيف الذي سله الزبير هو الذي جلب الحصار في الشعب على النبي

صلى الله عليه وسلم

وبني هاشم، وهو الذي سير جعفرا وأصحابه إلى الحبشة. وسل السيف في الوقت الذي لم يؤمر المسلمون فيه بسل السيف غير جائز. قال تعالى:

ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله ، فتبين أن التكليف له أوقات، فمنها وقت لا يصلح فيه سل السيف ومنها وقت يصلح فيه ويجب. فأما قوله تعالى:

لا يستوي منكم من أنفق ، فقد ذكرنا ما عندنا من دعواهم لأبي بكر إنفاق المال. وأيضا فإن الله تعالى لم يذكر إنفاق المال مفردا، وإنما قرن به القتال، ولم يكن أبو بكر صاحب قتال وحرب، فلا تشمله الآية. وكان علي صاحب قتال وإنفاق قبل الفتح: أما قتاله فمعلوم بالضرورة، وأما إنفاقه فقد كان على حسب حاله وفقره، وهو الذي «أطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا»، وأنزلت فيه وفي زوجته وابنيه سورة كاملة من القرآن، وهو الذي ملك أربعة دراهم فأخرج منها درهما سرا ودرهما علانية ليلا ثم أخرج منها في النهار درهما سرا ودرهما علانية فأنزل فيه قوله تعالى:

الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ، وهو الذي قدم بين يدي نجواه صدقة دون المسلمين كافة، وهو الذي تصدق بخاتمه وهو راكع فأنزل الله فيه:

Unknown page