Rasail
رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن
Genres
له بالقتل كأبي جهل بن هشام وعقبة بن أبي معيط والوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة وغيرهم من فراعنة قريش وجبابرتها. ولقد كان يجيع نفسه ويطعم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
زاده، ويظمئ نفسه ويسقيه ماءه، وهو كان المعلل له إذا مرض، والمؤنس له إذا استوحش. وأبو بكر بنجوة عن ذلك لا يمسه مما يمسهم ألم، ولم يلحقه مما يلحقهم مشقة، ولا يعلم بشيء من أخبارهم وأحوالهم إلا على سبيل الإجمال دون التفصيل ثلاث سنين محرمة معاملتهم ومناكحتهم ومجالستهم، محبوسين محصورين ممنوعين من الخروج والتصرف في أنفسهم. فكيف أهمل الجاحظ هذه الفضيلة ونسي هذه الخصيصة ولا نظير لها؟ ولكن لا يبالي الجاحظ بعد أن يسوغ له لفظه وتتسق له خطابته ما يضيع من المعنى ويرجع عليه من الخطأ.
فأما قوله: وعلموا أن العاقبة للمتقين، ففيه إشارة إلى معنى غامض قصده الجاحظ، يعني ألا فضيلة لعلي عليه السلام في الجهاد لأن الرسول كان أعلمه أنه منصور وأن العاقبة له، وهذا من دسائس الجاحظ وهمزاته ولمزاته، وليس بحق ما قاله؛ لأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أعلم أصحابه جملة أن العاقبة لهم ولم يعلم واحدا منهم بعينه أنه لا يقتل، ولا عليا ولا غيره، وإن صح أنه كان أعلمه أنه لا يقتل فلم يعلمه أنه لا يقطع عضو من أعضائه، ولم يعلمه أنه لا يمسه ألم الجرح في جسده، ولم يعلمه أنه لا يناله الضرب الشديد! وعلى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قد أعلم أصحابه قبل يوم بدر وهو يومئذ بمكة أن العاقبة لهم كما أعلم أصحابه بعد الهجرة ذلك! فإن لم يكن لعلي والمجاهدين فضيلة في الجهاد وبعد الهجرة لإعلامه إياهم ذلك، فلا فضيلة لأبي بكر وغيره في احتمال المشاق قبل الهجرة لإعلامه إياه بذلك! فقد جاء في الخبر أنه وعد أبا بكر قبل الهجرة بالنصر، وأنه قال له: أرسلت إلى هؤلاء بالذبح وإن الله سيغنمنا أموالهم ويملكنا ديارهم. فالقول في الموضعين متساو ومتفق.
قال أبو جعفر:
ما نرى الجاحظ احتج لكون أبي بكر أغلظهم وأشدهم محنة إلا بقوله: لأنه أقام بمكة مدة مقام الرسول
Unknown page