Rasail
رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن
Genres
3
والمتوقي خبوطا والصدوق كذوبا. والمراء من أسباب الغضب، وأقرب ما يكون الرجل من غضب الله إذا غضب، كما أنه أقرب ما يكون من رحمة الله إذا سجد؛ لقول الله عز وجل:
واسجد واقترب .
وقال لقمان لابنه: إياك والمراء فإنه لا تعقل حكمته ولا تؤمن لهجته. وقال آخر: المراء غضبة والصمت حكمة، ولو كان المراء فحلا والفخر أما ما ألقحا إلا الشر. وقال الشعبي: إني لأستحيي من الحق أن أعرفه ثم لا أرجع إليه. وقال ابن عيينة:
4
قال الحسن:
5
ما رأيت فقيها قط يداري ولا يماري، إنما ينشر حكمته فإن قبلت حمد الله وإن ردت حمد الله. عن إبراهيم بن إسماعيل بن عائذ بن المبارك بن سعيد قال: قال مجاهد: صحبت رجلا من قريش ونحن نريد الحج فقلت له يوما: هل نتفاتح الرأي؟ فقال: دع الود كما هو. فعلمت والله أن القرشي قد غلبني. وقال إسحاق الموصلي: كثرة الخلاف حرب، وكثرة المتابعة غش.
بسم الله الرحمن الرحيم: أطال الله بقاءك وأتم نعمته عليك وكرامته لك. قد علمت - حفظك الله - أنك لا تحسد على شيء حسدك على حسن القامة وضخم الهامة، وعلى حور العين وجودة القد، وعلى طيب الأحدوثة والصنيعة المشكورة، وأن هذه الأمور هي خصائصك التي بها تكلف، ومعانيك التي بها تلهج. وإنما يحسد أبقاك الله المرء شقيقه في النسب، وشفيعه في الصناعة، ونظيره في الجوار، على طارف قدره أو تالد حظه، أو على كرم في أصل تركيبه ومجاري أعراقه. وأنت تزعم أن هذه المعاني خالصة لك مقصورة عليك، وأنها لا تليق إلا بك ولا تحسن إلا فيك، وأن لك الكل وللناس البعض، وأن لك الصافي ولهم المشوب. هذا سوى الغريب الذي لا نعرفه ، والبديع الذي لا نبلغه. فما هذا الغيظ الذي أنضجك، وما هذا الحسد الذي أكمدك، وما هذا الإطراق الذي قد اعتراك، وما هذا الهم الذي قد أضناك؟ وهل رأيت أخسر صفقة ولا أوهن قوة ممن يجري العتاق مع الكوادن، والروائع مع الحواسر، وممن حاكم من يسالمه، وجاذب من يقلده؟ وهل رأيت مكينا يقلق ومصنوعا له يسخط؟ وهل زدت على أن أطمعت في نفسك ومكنت للشبهة في أمرك، وأنشأت للخامل ذكرا وللوضيع قدرا؟ إنك لا تعرف الأمور ما لم تعرف أشباهها، ولا عواقبها ما لم تعرف أقدارها، ولن يعرف الحق من يجهل الباطل، ولا يعرف الخطأ من يجهل الصواب، ولا يعرف الموارد من يجهل المصادر! فانظر لم تسالمت النفوس مع تفاوت منازلها، ولم تجاذبت عند تقارب مراتبها، ولم اختلف الكثير واتفق القليل، ولم كانت الكثرة علة للتخاذل والقلة سببا للتناصر. وما فرق ما بين المجاراة والتحاسد وبين المنافسة والتغالب؟ فإنك متى عرفت ذلك استرحت منا ورجونا أن نستريح منك، وكيف يعرف السبب من يجهل المسبب، وكيف يعرف الوصل من يجهل الفصل، وكيف يعرف الحدود من لم يسمع الفصول، وكيف يعرف الحجة من الشبهة والعذر من الحيلة والواجب من الممكن والغفل من الموسوم والمعقول من الموهوم، والمحال من الصحيح والأسرار المجهولة من ذوات الدلائل الخفية، وما يعلم ما لا يعلم وما يعلم باللفظ دون الإشارة مما لا يعلم إلا بالإشارة دون اللفظ، وما يعلم معتقدا مما لا يعلم مكينا وما يعلم مكينا مما لا يعلم معتقدا، وما المستغلق الذي يجوز أن يفارقه استغلاقه والمستبهم الذي لا يفارقه استبهامه، ومن هو طائر مع العوام حيث طارت وساقط معها حيث سقطت مع الزراية
6
Unknown page