Rasail
رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن
Genres
ولقد قسم النبي
صلى الله عليه وسلم
قسمة فجعلها في بني هاشم وبني المطلب، فأتاه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقالا له: يا رسول الله، إن قرابتنا منك وقرابة بني المطلب واحدة، فكيف أعطيتهم دوننا؟ فقال النبي: إنا لم نزل وبني المطلب كهاتين. وشبك بين أصابعه. فكيف تقولون كنا شيئا واحدا، وكان الاسم الذي يجمعنا واحدا؟
قالت هاشم:
وإن كان الفخر بالأيد والقوة واهتصار الأقران ومباطشة الرجال، فمن أين لكم كمحمد بن الحنفية! وقد سمعتم أخباره وأنه قبض على درع فاضلة فجذبها فقطع ذيلها ما استدار منه كله. وسمعتم حديث الأيد القوي الذي أرسله ملك الروم إلى معاوية يفخر به على العرب، وأن محمدا قعد له ليقيمه فلم يستطع فكأنما يحرك جبلا، وأن الرومي قعد ليقيمه محمد فرفعه فوق رأسه ثم جلد به الأرض. هذا مع الشجاعة المشهورة والفقه في الدين والحلم والصبر والفصاحة والعلم بالملاحم والإخبار عن الغيوب حتى ادعي له أنه المهدي. وقد سمعتم أحاديث أبي إسحاق المعتصم وأن أحمد بن أبي دواد عض ساعده بأسنانه أشد العض فلم يؤثر فيه، وأنه قال: ما أظن الأسنة ولا السهام تؤثر في جسده؟! وإن كان الفخر بالبشر وطلاقة الأوجه وسجاحة الأخلاق، فمن مثل علي بن أبي طالب وقد بلغ من سجاحة خلقه وطلاقة وجهه أن عيب بالدعابة؟ ومن الذي يسوي بين عبد شمس وهاشم في ذلك؟! كان الوليد جبارا، وكان هشام شرس الأخلاق، وكان مروان بن محمد لا يزال قاطبا عابسا، وكذلك كان يزيد بن الوليد الناقص. وكان المهدي بن المنصور أسرى خلق الله وألطفهم خلقا، وكذلك محمد الأمين وأخوه المأمون. وكان السفاح يضرب به المثل في السرو وسجاحة الخلق.
قالوا: ولنا من أفراد الرجال من ليس لكم مثله. منا يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، كان شجاعا جريا، وهو الذي ولي الموصل لأخيه السفاح فاستعرض أهلها حتى ساخت الأقدام في الدم. ومنا يعقوب بن إبراهيم بن عيسى بن أبي جعفر المنصور، كان شاعرا فصيحا، وهو المعروف بأبي الأسباط. ومنا محمد وجعفر ابنا سليمان بن علي، كانا أعظم من ملوك بني أمية وأجل قدرا وأكثر أموالا ومكانا عند الناس. وأهدى محمد بن سليمان من البصرة إلى الخيزران مائة وصيفة في يد كل واحدة منهن جام من ذهب وزنه ألف مثقال مملوء مسكا. وكان لجعفر بن سليمان ألفا عبد من السودان خاصة، فكم يكون - ليت شعري - غيرهم من البيض ومن الإماء! وما رؤي جعفر بن محمد راكبا قط إلا ظن أنه الخليفة. ومن رجالنا محمد بن السفاح، كان جوادا أيدا شديد البطش. قالوا: ما رؤي أخوان أشد قوة من محمد وريطة أخته ولدي أبي العباس السفاح، كان محمد يأخذ الحديد فيلويه فتأخذه هي فترده. ومن رجالنا محمد بن إبراهيم طباطبا صاحب أبي السرايا، كان ناسكا عابدا فقيها عظيم القدر عند أهل بيته وعند الزيدية. ومن رجالنا عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وهو الذي شيد ملك المنصور وحارب ابني عبد الله بن حسن وأقام عمود الخلافة بعد اضطرابه، وكان فصيحا أديبا شاعرا. ومن رجالنا عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام، حج بالناس وولي الشام، وكان فصيحا خطيبا. ومن رجالنا عبد الله بن موسى الهادي، كان أكرم الناس، وجوادا ممدحا أديبا شاعرا. وأخوه علي بن موسى الهادي، كان أكرم الناس وأجود الناس، كان يلبس الثياب وقد حدد ظفره فيخرقها بظفره لئلا تعاد إليه. وعبد الله بن أحمد بن عبد الله بن موسى الهادي، كان أديبا ظريفا.
قالوا: وقلتم: لنا عاتكة بنت يزيد يكتنفها خمسة من الخلفاء. ونحن نقول: لنا زبيدة بنت جعفر يكتنفها ثمانية من الخلفاء: جدها المنصور خليفة، وعم أبيها السفاح خليفة، وعمها المهدي خليفة، وابن عمها الهادي خليفة، وبعلها الرشيد خليفة، وابنها الأمين خليفة، وابنا بعلها المأمون والمعتصم خليفتان.
قالوا: وأما ما ذكرتم من الأعياص والعنابس، فلسنا نصدقكم فيما زعمتموه أصلا لهذه التسمية، وإنما سموا الأعياص لمكان العيص، وأبي العيص، والعاص، وأبي العاص، وهذه أسماؤهم الأعلام ليست مشتقة من أفعال لهم كريمة ولا خسيسة. وأما العنابس فإنما سموا بذلك لأن حرب بن أمية كان اسمه عنبسة، وأما حرب فلقبه، ولما كان حرب أمثلهم سموا جماعتهم باسمه فقيل «العنابس» كما يقال «المهالبة» و«المناذرة»؛ ولهذا المعنى سمي أبو سفيان بن حرب: ابن عنبسة، وسمي سعيد بن العاص: ابن عنبسة. •••
وهذا آخر ما عثرت عليه من هذا الكتاب استخلصته بعد جهد وعناء.
من كتاب حجج النبوة
Unknown page