والضرورة، ولكن قد دعت الحاجة والضرورة إليه من زمان طويل لا سيما في هذا الوقت، وحينئذ فيقال: التقليد ثلاثة أنواع:
(أحدها): التقليد بعد قيام الحجة وظهور الدليل، فهذا لا يجوز، كما قال الشافعي ﵀:أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله ﷺ لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس.
(النوع الثاني): التقليد مع القدرة على الاستدلال، والبحث عن الدليل بأن يكون متأهلا لذلك، فهذا مذموم -أيضا- لقدرته، وتمكنه من معرفة الدليل.
(النوع الثالث): التقليد السائغ، وهو نوعان:
(أحدهما): مَنْ كان مِن العوام الذين لا معرفة لهم بالحديث والفقه، وليس لهم نظر في كلام العلماء، فهؤلاء لهم التقليد بغير خلاف، فإذا وقعت له حادثة، استفتى مَنْ عَلِمَهُ عالما عدلا، ورآه منتصبا للإفتاء، والتدريس، واشترط الشيخ تقي الدين -مع ذلك- الاستفاضة بأنه أهل للفتيا.
(النوع الثاني): مَن كان متأهلا لبعض العلوم، قد تفقه في مذهب من المذاهب، وتبصر في بعض كتب متأخري الأصحاب كالإقناع، والمنتهى عند الحنابلة، ولكنه قاصر النظر عن معرفة الدليل، ومعرفة الراجح من كلام العلماء، فهذا له التقليد أيضا، إذ لا يجب عليه إلا ما يقدر عليه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ونصوص العلماء على جواز التقليد لمثل هذا كثيرة، وذلك لقول الله -تعالى-: ﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ١.
وقال النبي ﷺ: "ألا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال" ٢. ولكن هذا لا ينبغي له التسرع إلى إفتاء غيره، فإن دعت الحاجة إلى فتواه، فهو إخبار عن مذهب إمامه الذي ينتسب إليه لا فتيا. قاله جماعة من الأصحاب، وعليه أن يتقي الله ما استطاع.
_________
١ سورة النحل آية: ٤٣.
٢ أبو داود: الطهارة (٣٣٦) .
1 / 124