ورأيناك - وفقنا الله وإياك - قد أنكرت علينا قولنا: إن المعري كان لا يرى أكل اللحم، ويعتقد أن ذبح الحيوان من الظلم. وذكرت أنه إنما كان يمتنع من أكله لعلة بجسمه. ويدل على خلاف ما قلته من استفاضة الخبر بذلك عنه، وما في شعره منه. بل كان يغلو في ذلك ويفرط، حتى إنه كان ينكرا أكل البيض واللبن ونحوهما مما يختص بالحيوان كقوله في صفة الديك - وهي قصيدة قد أنشدناها وشرحناها - أولها:
(أيا ديك! عدت من أياديك صيحة ... بعثت بها ميت الكرى وهو نائم)
يقول فيها مخاطبا الديك:
(ولو كنت ما أرهفت لك مدية ... ولا رام إفطارا بأكلك صائم)
(ولم يغل ماء كي تمزق حلية ... حبتك بأسناها العصور القدائم)
(ولا عمت في الخمر التي حال طعمها ... كأنك في غم من السيل غائم)
وكقوله وهو يخاطب الحمامة:
(أعكرم! إن غنيت ألفيت نادبا ... فلا تتغنى في الأصائل عكرما)
(بنظم شجا في الجاهلية أهلها ... وراق مع البعث الحنيف المخضرما)
(وقد هاج في الإسلام كل مولد ... وأطرب ذا نسك وآخر مجرما)
1 / 81