التوراة وكتب الله المنزلة أن الله - تعالى - قال: إني خلقت آدم وركبت بدنه من أربعة أشياء، ثم جعلتها وراثة في ولده وذريته، تنشأ في أجسادهم وينمون عليهم إلى يوم القيامة؛ وذلك أني ركبت جسده من رطب ويابس، وسخن وبارد؛ وذلك أتى ركبته من تراب وماء، ثم نفخت فيه نفسا وروحا، فيبوسة جسده من التراب، ورطوبته من الماء، وحرارته من النفس، وبرودته من الروح، وذكر كلاما طويلا قال فيه: فمن النفس تكون حدته وخفته ولعبه ولهوه، وضحكه وسفهه، وخداعه، وشكره، وعنفه وخرقه. ومن الروح يكون حلمه ووقاره، وعفافه وحياؤه، ونقاؤه وصفاؤه، وكرمه وصدقه، ورفقه، وصبره، فنسب إلى النفس الأمور المدمومة، وإلى الروح الأمور المحمودة. فصارت الروح بظاهر ما ذركاه أشرف من النفس، وذلك خلاف ما يقوله المتفلسفون؛ لأن النفس عندهم أشرف من الروح، فكان الشيء المسمى في الفلسفة نفسا هو المسمى في الشرائع روحا. وهذا مجال ضيق لم يكن بنا حاجة إلى الحوض فيه لولا ما رأيناه من إنكارك علينا وصف الروح بالطهارة. وكذلك توهمك أن فيما قاله المعري، القول لقدم العرض توهم فاسد، وكلامك فيه منتقض.
ورأيناك - وفقنا الله وإياك - قد قلت: إن تفريقنا بين الزمان والدهر تحكم، وإن لك في ذلك تحقيقا ذكرته في كتاب "المقسط"، فليتنا رأيناه حتى نرى ما قلت في قول الله ﷿: ﴿إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون﴾ [الحج ٢٢: ٤٧] وقوله: ﴿تعرج الملائكة والروح فيها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة﴾ [المعارج ٧٠: ٤] فمن أي قسم يعد هذان اليومان؟ أمن قسم الدهر أم من قسم الزمان؟ ووجدنا النبي ﷺ قد ذكر الدهر في قوله: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر»، ولم يذكر الزمان.
وكذلك قالت العرب للذبي يقول بالدهر: "دهري" بفتح الدال، وللمسن: "دهري" بضم الدال، ولم يقولوا: "زمني". وقالوا: لا أفعله دهر الداهرين، ولم يقولوا زمن الزامنين، ولا زمن الزمنين، ولعل كتاب "المقسط" سيقع إلينا فنرى ما تضمنه إن شاء الله.
1 / 80