ورأيناك - وفقنا الله وإياك - لما وصلت إلى قول المعري:
(فبعدا لهذا الجسم يا روح مسلكا ... وبعدا لهذا الروح يا جسم سالكا)
(تواصلتما فاستحدث الوصل منكما ... عجائب كانت للرجال مهالكا)
فأنكرت علينا في بعض كلامنا أن الروح طاهر شريف، والجسم دونه موات لا يقع عليه تكليف، وكتبت في الطرة: صوابه: موجود شريف، وكيف حدثت باقترابهما حطيئة، وهو قول بقدم الأعراض، أو مجاز لا يعدم انتقاضا.
وهذا كلام أول ما ينتقد منه فساد الإعراب بترك نصب "الانتقاض" ووجهه الانتصاب. وبعد ذلك نقول: كيف أنكرت قولنا: إن الروح طاهر شريف، وقد طهره الله - تعالى - وشرفه وكرمه على النفس، وقدمه في القرآن المنزل علينا، وفي كتبه المتقدمة لنا؟ أما في كتابنا العزيز فإنه نسب الشر إلى النفس فقال: ﴿إن النفس لأمارة بالسوء﴾ [يوسف ١٢: ٣٥]، ولم يقل إن الروح لأمارة بالسوء وذكر أن النفس هي المثابة المعاقبة فقال تعالى: ﴿كل مفس بما كسبت رهينة﴾ [المدثر ٧٤: ٣٨]، وقال عز من قائل: ﴿أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله﴾ [الزمر ٣٩: ٥٦]. ولم يقل في الروح شيئا من هذا، بل قدسه وشرفه بأن أضاف إليه فقال في آدم ﵇: ﴿ونفخت فيه من روحي﴾ [الحجر ١٥: ٢٩]، ولم يقل: ونفخت فيه من نفسي. وقد أجمع المسلمون على الاستعاذة بالله من شرور أنفسهم لا من شرور أرواحهم، فهذا من كتابنا العزيز، وملتنا الحنيفة التي شرفنا الله بها.
وأما في ملل غيرنا؛ فذكر وهب بن منبه أنه وجد فيما قرأه من
1 / 79