فجعل أبو العلاء العيش للإنسان وطنا كما جعل المتنبي العمر دارا، فلا يقال في هذا تصحيف وتحته معنى شريف، والمين أولى بأن يكون تصحيفا؛ لأن المثوى والدعة لا يلتئمان بالمين كالتئامهما بـ "الأين".
ورأيناك - أبقاك الله - قد قلت في قول المعري:
(عفا أثري الزمان وما أغبت ... ضباع في المحلة تعتفيني)
إنه أراد: ضباع في منزلي تأخذ عفوي ولم ترض قولنا: إن معانه "تقصدني في"، وهذا خطأ من وجهين: أحدهما: أنه لا يقال: اعتفيت الرجل إذا أخذت عفوه، وإنما يقال واعتفيته: إذا قصدته. والخطأ الثاني: أن هذا التفسير لا يوافق معنى الشعر؛ لأن المعري إنما أراد أنه فر من الناس واستتر في منزله، وإذا هم - مع ذلك - واصلون إليه، مقتحمون عليه. ويدل على ذلك قوله قبل هذا البيت:
(قد استخفيت كالجسد الموارى ... ولكن الطوائف تختفيني)
ومعنى "تختفيني": تستخرجني، فكيف توهمت أنه أراد ضباعا في منزله تأخذ عفوه؟ وأين النقد الحسن ولذهن الذهن؟ ! هيهات ضاع ضيعة هبود ونام نومة عبود! وهكذا رأيناك قد قلت في قوله:
(لقد مسخن قلبي وفاتك طائرا ... فأقسم ألا يستكن على وكن)
أن الصواب: "لقد مسخت مني"، وإنما هو تصحيف تصحف، ولفظ تحرف. إنما
1 / 69