ذو حضر أفلت من كد القبل
والكد كلمة قلقة؛ لا سيما في الرقيق والغزل والتشبيب، غير أنها لما وقعت في موضعها حسنت، كما أن اللفظة العذبة إذا لم توضع موضعها نفرت، قال:
رأت عارضا جونا فقامت غريرة
بمسحانها قبل الظلام تبادره
فأوقع الجلف الجافي هذه اللفظة غير موقعها وظلمها؛ إذ جعلها في غير مكانها؛ لأن المساحي لا تكون ولا تصلح للغرائر، وأين كان عن قول الشاعر:
غرائر ما حدثن يهدين آنسه
فما فوقه منهن غير غرائر
حديث لو ان العصم تدعى به أتت
ودون يد الفحشاء حد البواتر
فتخير من الألفاظ أرجحها وزنا، وأجزلها معنى، وأليقها في مكانها، وليكن في صدر كتابك دليل واضح على مرادك، وافتتاح كلامك برهان شاهد على مقصدك، حيثما جريت فيه من فنون العلم ونزعت نحوه من مذاهب الخطب والبلاغات؛ فإن ذلك أجزل لمعناك وأحسن لاتساق كلامك، ولا تطيلن صدر كلامك إطالة تخرجه من حده، ولا تقصر به عن حقه. ولو صور اللفظ وكان له حد لوقفتك عليه، غير أنهم في الجملة كرهوا أن يزيدوا سطور كتب الملوك على سطرين، وهذه إشارة لا تعبر إلا عن الجملة من المقصود إليه؛ لأن الأسطر غير محدودة.
Unknown page