أما بعد: فلقد أتاني كتابك فيما أخبرتني عنه من صلاحك وصلاح ما قبلك، وفي الذي ذكرت نعمة مجللة عظيمة، نحمد عليها الله المنعم بها المحمود، ونسأله أن يلهمنا وإياك من شكره وذكره ما به مزيدها وتأدية حقها، نحن من عافية الله وكفايته ودفاعه على حال، لو أطنبت في ذكرها لم يكن في ذلك إحصاء للنعمة ولا اعتراف، لكنه الحق فنرغب إلى الذي يزيد في نعمه علينا تظاهرا ألا يجعل شكرنا منقوصا ولا مدخولا، وأن يرزقنا مع كل نعمة كفاء من المعرفة بفضله فيها، والعمل في أداء حقها.
وفي السلامة أيضا «ولم يقل إنها له»:
كتبت إليك وأمير المؤمنين وما يأتيه من لين الطاعة، واتساق الكلمة، عمت في الداني والقاصي من بلدانه، وحواشي سلطانه على ما يحمد الله عليه؛ فإن نعمة الله على أمير المؤمنين تجري على إذلالها، وتنقاد في أسهل سبيلها.
قال المؤلف: ومن مختار ما كتب به من باب الشكر، ولم أعرف إن كانت له أو لغيره؛ لأنه أورد «كتب» بضم أولها، ومع هذا فهذه هي الرسالة:
أما بعد: فما أعجز تعدادي عما أتعرف منك وأتعرفه بك دانيا ونائيا، وما أدري ما ابتدأتني به من معروفك أرهن لشكري، أم ما ثنيت به من برك لبدئك بعنايتك على نأيك، أم ما ألبستني جماله على لسانك بإطرائك وثنائك، أم ما عقدته لي عند غيرك بتلطفك وتأنيك، غير أني أعلم أنك لم تقصر في استحقاق شكر علي، وأرجو ألا أكون مقصرا في معرفة ذلك منك، ومن لم يقصر علمه، ولم يؤت في شكره إلا من عظم المعروف عنده مع جهده، فقد دخل بالعلم والجهد في الشاكرين، غير أن الذي آنستني به من رفدك وتوطيدك، قد زادني وحشة إليك، وإن حفظ من حفظني فيك، وإن لم يك مقصرا، وقد جدد لي المعرفة بوثارة مكاني عندك، ولقد بلغت أن أصلحت لي الأمور والرجال، وأصلحتني إلى صلاحي لنفسي، فليس كتابي هذا باستبطاء لأحد حتى يستبطئه، ولا شكري حتى يكون البدء منك، ولكن روحت عن نفسي بذكرك وزينتها بشكرك، وزكيتها بالإقرار بفضلك.
ولابن المقفع:
إن الناس لم يعدموا أن يطلبوا الحوائج إلى الخواص من الإخوان، وأن يتواصلوا بالحقوق ويرغبوا إلى أهل المقامات ويتوسلوا إلى الأكفاء، وأنت - بحمد الله ونعمته من أهل الخير، وممن أعان عليه وبذل لأهل ثقته المصافين، وإن بذل النفوس فيه وإعطاء الرغيب ليس منك ببكر ولا طريف، بل هو تليد أتلده أولكم لآخركم، وأورثه أكابركم أصاغركم، ومن حاجتي كذا وأنت أحق من طلبت إليه واستعنته على حوادث الدهر، وأنزلت به أمري لقرب نسبك، وكريم حسبك، ونباهتك وعلو منزلتك، وجسيم طبائعك، وعوام أياديك إلى عشيرتك وغيرها، فليكن من رأيك ما حملتك من حاجتي على قدر قسم الله لك من فضله، وما عودك من مننه، ووسع غيري من نعمائك وإحسانك.
ولابن المقفع أيضا:
أما بعد: فإن من قضى الحوائج لإخوانه، واستوجب بذلك الشكر عليهم فلنفسه عمل لا لهم، والمعروف إذا وضع عند من لا يشكره، فهو زرع لا بد لزارعه من حصاده أو لعقبه من بعده، وكتبت إليك ولحالنا التي نحن بها فيما نذكرك حاجة، أول ما فيها معروف تستوجب به الشكر علينا، وتدخر به الأيادي قبلنا.
ولعبد الله بن المقفع إلى يحيى بن زياد «الحارثي» ابتداء في المؤاخاة:
Unknown page