لا يضيعن الوالي التثبت عندما يقول، وعندما يعطي وعندما يفعل؛ فإن الرجوع عن الصمت أحسن من الرجوع عن الكلام، وإن العطية بعد المنع أجمل من المنع بعد الإعطاء، وإن الإقدام على العمل بعد التأني فيه أحسن من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه، وكل الناس محتاج إلى التثبت، وأحوجهم إليه ملوكهم الذين ليس لقولهم وفعلهم دافع. وليس عليهم مستحث.
ليعلم الوالي أن الناس على رأيه إلا من لا بال له منهم، فليكن للبر والمروءة عنده نفاق، فيكسد بذلك الجور والدناءة في آفاق الأرض.
جماع ما يحتاج إليه الوالي رأيان: رأي يقوي سلطانه، ورأي يزينه في الناس، ورأي القوة أحقهما بالبداءة وأولاهما بالأثرة، ورأي التزيين أحضرهما حلاوة وأكثرهما أعوانا، مع أن القوة من الزينة والزينة من القوة، لكن الأمر ينسب إلى أعظمه.
إن شغلت بصحبة الملوك، فعليك بطول الرابطة في غير معاتبة، ولا يحدثن لك الاستئناس غفلة، ولا تهاونا.
إذا رأيت أحدهم يجعلك أخا فاجعله أبا، ثم إن زادك فزده.
إذا نزلت من ذي منزلة أو سلطان، فلا ترين أن سلطانه زادك له توقيرا وإجلالا من غير أن يزيدك ودا ولا نصحا، وأنك ترى حقا له التوقير والإجلال، وكن في مداراته والرفق به كالمؤتنف ما قبله، ولا تقدر الأمر بينك وبينه على ما كنت تعرف من أخلاقه؛ فإن الأخلاق مستحيلة مع الملك، وربما رأينا الرجل المدل على ذي السلطان بقدمه، قد أضر به قدمه.
لا تعتذرن إلا من يحب أن يجد لك عذرا، لا تستعينن إلا بمن يحب أن يظفر لك بحاجتك.
لا تحدثن إلا من يرى حديثك مغنما ما لم يغلبك الاضطرار.
إذا غرست من المعروف غرسا، وأنفقت عليه نفقة، فلا تضنن بالنفقة في تربية ما غرست فتذهب النفقة الأولى ضياعا.
إذا اعتذر إليك معتذر فتلقه بوجه مشرق وبشر طليق، إلا أن يكون ممن قطيعته غنيمة.
Unknown page