وقال له:
ذكرني هذا الأمر بعض أيام فراغي، حتى أصلح من كتابي هذا الفصل، وأغير هذا القول؛ فإنه غلط شنيع وخطأ فظيع، إلا أنه مرض في تلك المدة ونزلت به المنية، وما حصلت تلك المنية.
وقد علم كل من شاهد أحوالي مع جار الله أني كنت عنده معظم القدر ومفخم الأمر، مقبول الكلمات متبوع الإشارات، لم ير مني كلمة في أي علم إلا قيدها ببنانه، وضبطها في جنانه، وأثبتها في دفاتره، وأحكمها في خواطره، وعدها غنيمة من غنائم عمره، وتميمة من تمائم نحره: وقد جرى بيني وبينه في حياته، وأوقات راحاته، مما يتعلق بفنون الأدب، وأقسام علوم العرب مسائل أكثر من أن يحصى عددها أو يستقصى أمدها رجع فيها إلى كلامي، ونزل على قضيتي وأحكامي، فالسعيد من إذا سمع الحق سكتت شقاشق لجاجه، وسكنت صواعق حجاجه.
فمنها مسألة «الظبي التي هي جمع ظبة»؛ فإنه كتب بخطه أنها من ذوات الياء وأصلها ظبية، فقلت أنا: إنها من ذوات الواو، وأصلها ظبوة، فلما امتدت المناظرة واشتدت المذاكرة، بعثت إليه كتاب الصحاح يصدق قولي، فهجن الكتاب. وقال: إنه محشو بالتحريفات مشحون بالتصحيفات، فبعثت إليه سر الصناعة لابن جني. فقال: هو رجل وأنا رجل فبعثت إليه كتاب العين فوضع للحق عنقه، وسلك مناهج الإنصاف وطرقه، واسترد خطه ومزقه تمزيقا، وخرقه تخريقا، بمرأى ومسمع من صدر الأئمة ضياء الدين - أدام الله إجلاله، وزاد إقباله.
ومنها مسألة «كلا الرجلين» إذ كتب في حالة الجر، والإضافة للمظهر بالألف، فقلت: الصواب أن يكتب بالياء، وأيدت قولي بنص ابن درستويه في كتابه الموسوم ب «كتاب الكتاب»، وجرى هذا بحضرة الإمام الأجل زين المشايخ البقالي - أدام الله سعادته، وحرس سيادته.
ومنها مسألة «نسر وفرقد» في تثنيتهما بغير ألف ولام في شعري فأنكره. وقال: لا يجوز هذا في الشعر ولا في غيره، فأريته ذلك في شعر المعري وأبي تمام. فقال: أخطآ حتى أراه سلمان بيته، وصدى صوته، الإمام فخر الإسلام المؤذني ذلك في شعر الأعشى، فعند ذلك لانت خشونته، وسهلت حزونته.
ومنها مسألة «الجمع بين الضرب المحذوف والضرب الصحيح» في شعر واحد من الطويل، وقع له في ديوانه في قوله:
جوار فريد العصر خير جوار
ودار فريد الدهر أكرم دار
ثم قال:
Unknown page