207

Rasail Bulagha

رسائل البلغاء

Genres

وممن أقام من الحي هر

فأتى بكثير كلام لا يفيد إلا قليل معنى، وذلك القليل لا غريب ولا عجيب، وهو كله ذكر فراق، ثم رجع إلى أن هر فقيمة تصيد قلبه وقلب غيره، فأبطل بإقامتها كل ما قال من أخبار الفراق ونقضه، وجعل بكاءه المتقدم لغير شيء، ثم قال:

وأفلت منها ابن عمرو حجر

فحسن عنده أن يخبر أن الناس قد صادت هر قلوب جميعهم إلا قلب حجر أبيه، وهذا من الأحاديث الركيكة والأخبار التي ما بأحد حاجة إليها، ومع هذا فقد أورد أصحاب الأخبار أن هر هذه كانت زوجة أبيه حجر، فانظر ما في جملة هذه الأبيات من الركاكات وقلة الإفادات؛ فإنها لا تفيد قلامة، ولا تهز ثمامة، ولسنا ننكر بهذه العيوب ونزارتها، ما أقررنا له به من الفضائل وندارتها، وستجد من لا يصدق معاصرا، ولا يصدق على متقادم متأخرا، يبني على ضعف أسه، ويفديه من الجهل والعيب بنفسه، فإذا اعترضك من هذا النمط معترض فأعرض عنه ودعه على أخلاقه مستمتعا بخلاقه، واتبع المسلك الذي أوضحته لك.

قال أبو الريان: وفضلاء الشعراء كثير جدا ولكل سقطات، وسأقفك على بعضها لعظيم المؤنة في الإحاطة بها، ليس إلا لأوضح بذكرها منهجا من مناهج النقد، لا حرصا على بغض الفصحاء، ولا قصدا إلى تهجين الصرحاء، وأية رغبة لنا في ذلك وهم جرثومة فروعنا، وبهم افتخار جميعنا.

قال زهير بن أبي سلمى على ما وصفناه به ووصفه غيرنا من العلو والرفعة في هذه الصنعة، من مذهبته الحكمية، ومعلقته العلمية:

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب

تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم

وقد غلط في وصفها بخبط العشواء على أننا لا نطالبه بحكم ديننا؛ لأنه لم يكن على شرعنا، بل نطلبه بحكم العقل، فنقول: إنما يصح قوله لو كان بعض الناس يموت وبعضهم ينجو، وقد علم هو وعلم العالم حتى البهائم؛ أن سهام المنايا لا تخطئ شيئا من الحيوان حتى يعمها رشقها، فكيف يوصف بخبط العشواء رام لا يقصد غرضا من الحيوان إلا أقصده حتى يستكمل رمياته في جميع رمياته، وإنما أدخل الوهم على زهير موت قوم غبطة وموت قوم هرما، وظنوا طول العمر إنما سببه أخطاء المنية وسبب قصره إصابتها! وهيهات الصواب من ظنه لم يؤخر الهرم إلا أنها قصدته فحين قصدته أصابته. ولو أن الرماة تهتدي كاهتدائها، لملأت أيديها بأقصى رجائها.

وقال زهير أيضا في مذهبته:

Unknown page