Rasail Ahzan
رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
Genres
2
التي اعترتها مزقت بشفتي ذلك الصمت الذي كان يغرز أنفاسي في قلبي كأن في كل نفس إبرة نافذة وأردت الكلام فجعلت أجمجم في عذري،
3
وأرسل ما يحضرني من نفس الشفتين المتهمتين بالذنب ... وهي غافلة أو متغافلة لا تأذن لكلامي أن يمر بها، ثم نظرت فإذا في أجفانها دمعة تترقرق وتهم أن تنحدر، وكأنما لم أكن عرفت ظرفها ومزاحها وميلها إلى النادرة، وأنه لا يسري الهم شيء عندها كالكلمة الشاعرة، وأن الجبل من جبال غيظها وغضبها تنسفه جملة مفرقعة من الضحك، وأسعدني طبعي الجريء الذي أنكرته من يومئذ فلمع لعيني معنى جميل في دمعتها فأمسكت يدها وقلت: إن عذري إليك في اضطراب الكرسي بي وما تعمدت نية، وهذه يدي لك بأن حكمك في نافذ إذا لم تنشر الصحف اليوم أو غدا: «حدثت زلزلة خفيفة لم تلحق ضررا بأحد ...».
فتدافعت تتبسم وغمر وجهها معنى رقيق كالنور الذي يسطع من خلال سحابة كانت مجتمعة ثم تسايرت تجر سوادها، واستتبعت فقلت: ذلك عهدي وأنا مرتهن بكلامي مأخوذ بأقوالي فهذا توقيعي عليها، وأسرعت فقبلت يدها الجميلة، وحلت هذه الجرأة عقدة صمتها فقالت: والعذر ذنب آخر؟ قلت: فإذا كان ذنبا فإن منه عذرا ثانيا ... ولكنها أسرعت فاختلجت يدها وما تتماسك ضحكا. •••
القبلة الأولى هي تلك النظرات الطويلة الحائرة في أعين المحبين وقد ضاقت بالصمت والإبهام وكثرة ما تتردد بين معنى يسأل ومعنى يجيب؛ فانحدرت إلى الشفاه لتخلق حركة وتتمثل صوتا وتستعلن للحب بكل معانيها، فالعواطف المشبوبة والنظرات المتكلمة والابتسامات المترجمة تأخذ كلها في تأليف تاريخ الحب زمنا يقصر أو يطول، ومتى بدأت في تدوين هذا التاريخ كانت الكلمة الأولى هي القبلة الأولى.
واللغات تعجز أحيانا بما نحملها فلا تحسن التعبير إذا كانت العاطفة قوية مهتاجة وقد نشبت في عاطفة أخرى مثلها، فإذا ضاقت الروح بهذا العي عمدت إلى لغتها الأولى فأرسلت العاطفة لونا في الوجه إذا كانت حياء أو خوفا؛ ورعدة في الجسم إذا كانت فزعا أو محقا؛ ودمعا في العين إن كانت حزنا أو قهرا؛ وضحكا وابتساما إن كانت إعجابا وطربا، فإذا كانت العاطفة وجدا ولوعة وقد استفاضت بين روحين؛ دنت إحداهما من الأخرى فمستها بشفتيها فيكون هذا اللمس بأداة النطق هو أبلغ النطق.
إنما تحية الفكر رد كلمة بكلمة؛ وتحية النفس هز يد بيد؛ وتحية القلب لمس شفة بشفة.
الرسالة الرابعة عشرة
كم أسأل الدر عن معناك باسمة
Unknown page