Rasail Ahzan
رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
Genres
ونفاذا في أعضل الأمور ينقع في الحوادث فكره كما ينقع الثعبان نابه المسموم، وقد تجده في بدنه شديد الفحلة معصوبا عصبا كأنه من عضلاته في لفائف الحديد؛
12
ولكنك تجد قلبه شيئا غير هذا كله، لا يسرع إلا في هدمه ولا يتركه يدور كما يدور غيره على الخطوط والأضلاع الطويلة من زوايا الحياة، بل ينفذ به إلى الهموم من أقطارها على استقامة؛ فما أسرع ما يتهدم وتتقصف سنه بعضها على بعض،
13
وربما كان في الأربعين فلا ترى إلا أن العمر يخيط في ثوب همه بأربعين إبرة.
بهذا القلب رأيتني كلما كبرت صغرت الدنيا في عيني، وكلما تقدمت دانيت أطرافها العليا فأصبحت أشعر حقا أن هذا العمر إنما هو سلم إلى السماء لا إلى غيرها؛ ومن هذا القلب اعتادت بعض سفن الأقدار أن تجد فيه حلقة ثابتة متينة تشد إليها حبالها إذا هي أرست على شاطئ الدهر بأحمالها، فالناس يتناولون منها خفافا وثقالا، ولكن الحلقة المعذبة لا عمل لها إلا أن تهتز وترتج من الألم والشدة والعنف.
وفي هذا القلب أعرف موضع كل شيء إلا نفسي ، فما أدري أهو من الضعة بحيث صارت فوق أن تنزل فيه، أم هو من السمو بحيث صار نفسا وحدها؟
ولكنه على الحالين أشقاني بهذه النفس وطوح بي وبها في مهاوي الأحزان إلى قرار بعيد. •••
في قلب كل إنسان معنى من الأزل؛ لأنه كان ذرة في يد الله، بيد أن هذه الذرة تمحق في بعض الناس أنواعا من المحق، فتصيب الرجل وأنه لعظيم جليل، ولكنه في ميزان الله لا يعدل مثقال ذرة من حسنة من رجل حقير؛ وتربو في بعض الناس وتتنفخ فإذا هي في وزن الجبل الراسخ بأعضاده
14
Unknown page