قالت: وما هي ؟
قال: «إنه أوصاني أن لا أكتفي بالكف عن قتل الإمام علي بل يجب علي أن أدافع عنه. فلم أر بدا من إجابة طلبه وأنت تعلمين مركزي في مثل هذه الحال ... ولكني لم أعاهده إلا بعد أن تفطر قلبي لدموعه التي كانت تنحدر على لحيته وقد شخصت عيناه وتلعثم لسانه وتلجلج صوته حتى خيل لي أن عظامه تتكلم..».
الفصل الخامس والعشرون
غاية الدهاء
فلما تحققت لبابة عدوله عن عهده خافت إذا أظهرت له الاستياء أن يبيح بأمرها وأمر قطام إلى علي وهما في الكوفة فينتقم علي منهما فأرادت أن تخادعه فتأخذ منه ولا تعطيه. فقالت: «ولماذا لم تعاهده فإن كلام مثل هذا الشيخ الجليل يعتبر خارجا من أفواه الملائكة».
فلما سمع سؤالها انشرح صدره فابتسم وقال بكل بساطة «كيف لم أعاهده وهل أستطيع غير ذلك. ولكنني أعترف لك أني عاهدته وخاطري منشغل بقطام وعهدها لعلمي أن ذلك العهد يحرمني منها..» ثم عطف فقال: «ولكنني لما تذكرت حبك لي وغيرتك علي هان الأمر لدي وقلت أن ما يعسر على مثلي يهون على خالتي لبابة.. بالله.. ألا ساعدتني على إقناع قطام بالعدول عن عزمها على قتل الإمام علي إنه والله برئ مما اتهموه به.. بالله ساعديني واشفقي علي فقد وقعت في حيرة بل هي مصيبة لا ينجيني منها إلا سواك..» قال ذلك وجثا أمامها وهم بيدها وقبلها وقد كادت العبرات تخنقه.
فتظاهرت تلك العجوز المحتالة بالحنو وتبسمت وهي تجذب يدها من بين يديه لتمنعه من تقبيلها وأجلسته في مكانه وقالت: «طب نفسا يا بني إني فاعلة ما تريد وأرجو أن يساعدني الله على إقناعها ...».
فلما سمع سعيد قولها لم يتمالك عن الابتسام والدمع ملء عينيه إعجابا بحنوها وفرحا بنيل بغيته التي لم يكن يتوقعها ولا بالمنام وفرح بمجيئه في تلك الليلة ومقابلة لبابة قبل مقابلته قطام.
أما لبابة فنظرت إليه وهي تحك ما وراء أذنها برأس سبابتها كأنها تفكر في ما تختلقه من الأسباب لإقناع قطام وهي بالحقيقة تدبر حيلة لخداع سعيد ثم قالت: «طب نفسا ولاتبال فإني أؤكد لك الفوز إذا أطعتني ...» فابتدرها قائلا: «إني طوع إرادتك في كل ما تأمرين وهذا مالي وكل ما أملكه بين يديك بالله اشفقي علي».
وكان سعيد يتكلم ولبابة مطرقة. فسكت هو وظلت هي مطرقة ثم استأنفت الحديث بغتة فقالت: «سبحان الله.. لقد مر علي أيام وأنا مستغربة ما يبدو لي من قطام على غير المعتاد والظاهر أن الكلام الذي فاه به جدك في مكة أثر في قطام هنا أو لا أدري ما هو هذا التأثير».
Unknown page